الاسلاميون قادمون؛ كانت هذه القولة متداولة بكثرة على ألسنة المحللين السياسيين، قبل بزوغ ثورات الربيع العربي؛ التي لا أحد كان يتوقع حدوثها بهذه السرعة، لعل شراسة القمع والظلم و التسلط الذي مارسته الأنظمة الحاكمة ndash; في بلدان ما عرف بالربيع العربي- قد عجل بانفجار الوضع بها.

في المغرب كان اسلاميو العدالة والتنمية منخرطين في الملعب الديمقراطي، ومنذ ولوجهم معترك الانتخابات وهم يتقدمون تدريجيا، بيد أن توقيت السماح لهم بالمشاركة في السلطة لم يحن بعد لدى صناع القرار.
لما هبت رياح الربيع العربي ndash; التي جرت بما لا تشتهيه إرادة هؤلاء- كان للمغرب نصيبه من الحراك الشبابي الذي انطلق يوم 20 فيراير/ شباط، فتغيرت حسابات النظام، لنشهد خطابا ملكيا فاجأ الجميع يوم 9 آذر/مارس2011 ، ثم بعده سيتم التصويت على دستور جديد، فانتخابات تشريعية بوأت العدالة والتنمية المرتبة الأولى بحصوله على107مقعدا؛ شكل على إثرها حكومة إئتلافية من أربعة أحزاب.
لقد سعد أغلب المغاربة بوجود أحد الفصائل السياسية الاسلامية في السلطة لأول مرة، لعله يكون مفتاح الحل لكثير من الازمات، ويكون أداء ه أحسن بكثير من سابقيه، ويشكل طوق النجاة في خضم واقع متردي.
وبتنا نلاحظ متابعات عبر وسائل الاعلام لأنشطة الوزراء - لاسيما الملتحون منهم-
حيث أضحى رئيس الحكومة بخطابه الجديد يحظى بمشاهدة تلفزيونية كبيرة بالمقارنة مع سابقيه.
يدل هذا الاهتمام؛ الذي قرأ فيه البعض نوع من التصالح مع السياسة، لكون المغاربة يتوقون الى الانتقال إلى الديمقراطية، ويأملون أن تكون هذه التجربة الحكومية فاتحة خير للقيام بإصلاحات حقيقية تدفع بمسيرة التنمية والتقدم إلى الامام.
واليوم، بعد مرور عام ونيف من عمر حكومة بنكيران، انقسم الناس حولها بين مؤيد ومعارض. هناك فريق لا يرى شيئا قد أنجز الى يوم الناس هذا في عهد الاسلاميين، ويعتبرون أن نسخة أخرى تتكرر من الحكومات الفاشلة التي سبقتها . بينما الفريق الآخر يرى أنها في الطريق الصحيح وأنها باشرت جملة من الاصلاحات غاية في الاهمية، تحتاج إلى وقت لتنجز ما وعدت به.
أمام هذا الانقسام حول أداء حكومة التي يقودها الاسلاميون، والتجاذبات الحزبية داخل الأغلبية، ينضاف إلى ذلك وجود آلة إعلامية شرسة تنحاز الى بقاء الوضع كما كان، خوفا من تزعزع مواقعها ومصالحها، دفعت رئيس الحكومة الى مجابهتها بتصريحات جمة، أضافت للقاموس السياسي كلمات من قبيل quot;العفاريتquot; وquot;التماسيحquot; وهي إشارة الى الجهات التي تعرقل الاصلاحات، وهذا يذكر بذات التعبير وإن بطريقة أخرى quot;جيوب المقاومةquot; الذي أطلقه الزعيم الاشتراكي عبد الرحمان اليوسفي.
اللافت للانتباه، أن أحد مكونات الائتلاف الحكومي، (حزب الاستقلال الحاصل على حوالي 60مقعدا في البرلمان) تغيرت قيادته، فتغير معها الموقف من الحزب الأغلبي، فبتنا نسمع عن مشروع تعديلات لهذا الحزب وجهت كتابة لرئيس الحكومة لتلبية ما ورد فيها من طلبات.
قبل هذا الوضع كنا نسمع بوجود ميثاق للأغلبية يؤطر العمل الحكومي(المؤلف من 4 أحزاب) لكن الأيام كشفت أن هذا الائتلاف قد لا يعمر الى نهاية ولايته(5سنوات) في حالة تجاهل مطالب أوquot;مناورةquot; هذا المكون الحكومي، وقرر على إثرها الانسحاب من الائتلاف.
الشيء الذي دفع الكثير من المتابعين للشأن العام التساؤل حول جدوائية هذا الطرح، وهل يحتاج المغرب الى أزمة سياسية تنضاف الى سلسلة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية؟
ما يحتاجه المواطن المغربي هو ان يتحقق له مطلب واحد مفاده: تسريع وثيرة الاصلاحات، ثمة هوة واسعة بين اهتمامات قادة الاحزاب وحساباتهم الخاصة وما بين انشغالات المواطنين وانتظار اتهم من السياسة.
وثمة أسئلة تطرح حول الأوضاع بالمغرب على كافة الصعد، التي تراوح مكانها، في ظل دستور جديد، ووجوه جديدة تصدرت المشهد السياسي، بدون فاعلية تذكر، وبدون تطبيق ناجع لمضامين الوثيقة الدستورية على أرض الواقع.
هل هي النخب التي تقود هذه الاحزاب؟ أم ان ثمة خلل في الأنظمة والقوانين الانتخابية؟ أم تضارب والتباس في اختصاصات المؤسسات السياسية القائمة ؟
كتب كثير من المهتمين والمحللين السياسيين حول هذه القضايا الشائكة والمتشابكة، ما يعننا تحديدا في هذا المقام، هو الحديث عن حزب سياسي ما زال لم يعمر طويلا في السلطة، ومما لاشك فيه، أن حسن بداية أي حزب في السلطة مؤشر عن حسن خاتمته، والعكس إذا كانت البداية متعثرة ؛ فإن النهاية ستكون غير سارة.
من الواضح جدا، أن المنطقة العربية قد افترشت ربيعا أخضرquot; ربيع إسلاميquot; ولا أحد يجزم كم ستستمر دورته، في الحالة المغربية ما تزال العدالة والتنمية تتمتع بنسبة تأييد كبيرة مقارنة مع بقية الاحزاب الاخرى، بفضل قاعدة جماهرية، وقوة تجييش هائلة تمتح من معين التراث والهوية.
في الوقت الذي كان أنصار العدالة والتنمية ينتشون بفوزهم التاريخي، ويتشفون من خصمهم المندحر حزب الاصالة والمعاصرة، كلف الملك زعيمهم بتشكيل حكومة لقيادة المرحلة، وتاه عبد الاله بنكيران في لعبة التحالفات والحسابات، فنسي أو أنسي هو ومن معه أن التاريخ كذلك يجب ان يحسب له حسابه، وأن أمر السلطة زائل أو ما يعرف في أدبيات الدعاة quot;بفتنة السلطةquot;.
ماذا كان سيخسر هذا الحزب - وهو يعرف أن الفاعل الحقيقي في الحقل السياسي المغربي هي المؤسسة الملكية - أن يعرض شروطه لممارسة الحكم الى جانب الملك، وتكون بيده ضمانات لممارسة اختصاصات كاملة كما هي في الوثيقة الدستورية، التي تتضمن إيجابيات كثيرة، لكن عاما واحدا بدا ان بنوذ الدستور الجديد وفصوله غير كافية، وتنزيلها تكتنفه صعوبات جمة، بدليل ان مجموعة من مؤسسات الدولة ماتزال تلتحف بوشاح الاستبداد quot;الخفيquot; فالطريق غير معبد أمام الحزب الاغلبي لدمقرطة المؤسسات وزرع قيم الديمقراطية في كافة مفاصل الدولة. ربما ذلك الاتفاق الأولي الذي لم يتحقق ( الحزب الأغلبي مع المؤسسة الملكية)، كان سيشكل لحظة مفصلية في تاريخ الأحزاب التي تتولى السلطة، رغم أن الظرفية مناسبة له لتحقيق المعادلة الديمقراطية التي تتجلى في ضرورة تحمل مسؤولية كاملة لتكون محاسبته محاسبة كاملة، وأيضا رغم ndash;كما يقول أهل الرياضة الرياح تلعب لصالح العدالة والتنمية- فالمنطقة ماتزال تغلي، المناخ الدولي لم يعد يحتمل الممارسات اللاديمقراطية، المواطن المغربي سئم من العبث السياسي الذي عاشه في العهد القديم (عهد الملك الحسن الثاني)، وأضحى سقف توقعاته مرتفعا أكثر ولم يعد يرضى بالقليل، بفضل ثورة الاتصالات ووسائلها المتنوعة أصبح على اضطلاع عن قرب بتجارب دول تنعم بالحرية والعدالة والرفاه. هذه المعطيات الواقعية لم يترجمها مع شديد الاسف الحزب الحاكم/ الأغلبي إلى قرارات استراتيجية تضع القطار المغربي على سكة الديمقراطية.