بفعل المتغيرات المستمرة، لم يعد لثنائيتي quot;ممانع ـ معتدلquot; حضور يذكر في المنطقة.
قد لا تقسم البلدان على وقع الحراك الشعبي، لكن الاكيد ان الشرق الاوسط يأخذ نمطا اخر من الاصطفاف مختلفا عن الثنائية التقليدية التي روج لها الاعلام الغربي، واستلطفتها دول المنطقة ومثقفوها.

على وقع فكرة quot;الشرق الاوسط الجديدquot; والتغيير في العراق، رفع كل من ايران وسوريا وحزب الله وحماس شعار مواجهة quot;المشروع الامريكيquot;. تركزت المواجهة بشكل رئيسي في العراق وافشال تحوله للديمقراطية، وفي لبنان بجعله حديقة لمعارك سياسية وعسكرية مع الغرب واسرائيل. وفي المقابل استحلت بلدان اخرى مصطلح quot;الاعتدالquot;، لما يمثله من ضمانات البقاء في المعسكر الغربي، مثل السعودية ومصر.

لكن لا الممانعة كانت كذلك على طول الخط، ولا الاعتدال. في العراق وافغانستان لم يختلف الموقف الايراني عن الامريكي كثيرا، بل وجد شكلا من التنسيق، بينما تحفظت السعودية على التحرك الامريكي. وظلت المؤسسة الدينية السعودية مفقسا للكثير من المتطرفين الذين دخلوا عبر الاراضي السورية للقتال وتنفيذ عمليات انتحارية تحت راية القاعدة، ورأى مسؤولون عراقيون ان ذلك يتم بمعرفة جهات رسمية في السعودية.

اليوم يتراجع الحديث عن ثنائية quot;معتدل ـ ممانعquot;. المتغير المصري فكك quot;جبهة المعتدلينquot; انسحاب حماس افرغ quot;الممانعينquot; من الوجود السني. تتجه الامور الى ثنائية اخرى، محور شيعي ضد اخر سني واجهته قطر وتركيا. هذه المرة لم تعد ارض الممانعين محصنة، باتت مسرحا للصراع، النظام السوري يقاتل على ارضه.

المفارقة ان اتجاه قطر في المرحلة السابقة، وضع احدى قدميه في محور quot;الممانعةquot;، ولم يكن بأي حال قريبا من اتجاه مصر والسعودية. واستخدمت حكومة العدالة والتنمية التركية بعض المقولات الايرانية السورية ضد اسرائيل.

افترق الاصدقاء، واشتدت المواجهة الاقليمية الحالية بين اطراف كانت متفاهمة. قطر التي وقفت مع حزب الله عام 2006 اضحت خصمه الرئيس. تحالف ايران وقطر ابدل بالصراع. وانتقل اردوغان الى عدو النظام السوري الاول بعد ان كان صديقه الحميم.

استفاد المحور التركي القطري من ركوب موجة الانتفاضات، رافعا شعار الدفاع عن quot;الديمقراطية وخيار الشعوبquot;، بينما فقدت ايران كونها الثورة التي تدافع عن كل الثورات، وهشم السلاح الموجه لداخل سوريا بدلا من الاعداء الخارجيين، مقولة البلد الممانع.

وسط صراع النفوذ والهيمنة الجديد، تواجه البلدان الاخرى تذبذبا وعجزا. تجد طريقها تارة مع هذا وتارة اخرى الى جانب ذاك. ومع الطائفية يبدو النأي بالنفس او التحصن ضد المحورين صعبا، وبحاجة الى رؤية جديدة.

بلدان quot;الربيعquot; عالقة في صراعات داخلية، يلعب محور quot;خيار الشعوبquot; دورا كبيرا فيه، بدعمه للاخوان المسلمين. وتحاول ايران استخدام التشابه الايديولوجي والعلاقة التاريخية مع الاخوان، للعب دور. غير ان صعود الطائفية يمنع ولاية الفقيه من النفوذ في الاسلام السني في الوقت الحاضر، ويحول دون تحالف يجمع الاردوغانية والحمدية بالإسلام الشيعي.

السعودية رائدة محور quot;الاعتدالquot; المفكك، لا تملك زمام المبادرة وتبدو محرجة طائفيا، من جهة لم تكن مع التغيير في تونس ومصر، عكس موقفها في ليبيا وسوريا. وفي الاخيرتين هي لا تدعم ذات الخيارات والبدائل القطرية التركية، الاسلاميون لا يحظون بدعم سعودي في الحكم، غير انها بلا مبادرة مواجهة، فيما عدا حراكها البحريني خوفا من ايران.

العراق يعاني من خلافاته الداخلية وانشطار الولاءات، اقتراب الائتلاف الشيعي من ايران يجعله في محورها، واتجاه التحالفات السنية الى تركيا وقطر يجرها لمواقفهما. في ظل هذا الانشطار تظل بلاد ما بين النهرين عالقة دون قرار.

الاردن يعاني هو الاخر من ضغوط الاسلاميين داخليا، ومن ضغوط الجغرافيا حيث سوريا وحراك الانبار العراقية القريب عليه والذي قد يؤثر على تبادلاته التجارية مع العراق. لعبة التوازنات في الاردن دقيقة، واي اتجاه يتخذه الملك الاردني سيكون بتداعيات.

القوى السنية اللبنانية محكومة بالخوف من حزب الله ركن quot;الممانعين السابقينquot; في بلد الارز، ويتحكم الخوف ايضا بمسيحييه من سيطرة التطرف الديني في الجوار السوري.

ومثّل موقف الامارات من الاخوان المسلمين مواقف دول خليجية اخرى، فهي ايضا تجد نفسها قريبة من قطر احيانا، ومتقاطعة معها احيانا اخرى. فيما البحرين مشغولة بشأن داخلي تلعب فيه صراعات اقليمية.

محورا الشرق الاوسط quot;الجديدquot;، يريدان النفوذ ومزيدا من الحلفاء في صراع اقليمي يستخدم الطائفية والتطرف سلاحا. البلدان الاهم عربيا والاكبر عددا، ما تزال لم تصطف بشكل نهائي، اصطفافها مع هذا او ذاك يزيد الانقسام وفرص الجحيم، وفي المقابل تملك مفتاح منع حلفاء الامس واعداء اليوم من لعبة الصراع الحارقة. فماذا ستختار، الجحيم ام ايقاف مشعلي النيران؟