طيران في الأجواء، عاجل على الشاشات: اعتداءات على رجال دين، شوارع مقفلة، والجيش والقوى الأمنية ينتشرون... لوهلة عادت اليّ مشاعر انتابتني صباح 12 تموز 2006 يوم تلقيت اتصالاً هاتفياً من زميلة تقول لي الا أذهب الى العمل لأن اسرائيل تقصف مطار بيروت، ومن المستحيل الوصول. في خضم هذه الأفكار رحت أستطلع ماذا يحدث، واذا بالشاشات اللبنانية تغدق علينا بالمعلومات والتي كانت في بعض الأحيان متناقضة عن حال الطرقات والشارع مع مقابلات لم تخل من الغضب المشحون، واكتمل الأمر بوصول الشيخ أحمد الأسير، المشهور مؤخراً بإثارة النفوس، الى مستشفى المقاصد. أطفأت جهاز التلفاز لأني شعرت بالتوتر. اذا كنت غير معنية بالأمر وشعرت بالتحريض فكيف بالمعنيين؟

الشارع اللبناني على هذا الحال منذ مدة وان اختلف السيناريو، وكأن قدر اللبنانيين أن يعيشوا على نبض الغضب والتوتر. ربما يجب أن نطمأن فوزير الداخلية وبعد كل حادث أمني وقطع طرقات ومظاهرات مسلحة، أي يومياً تقريباً، يعتلي المنابر الاعلامية ليطمأننا أن كل شيء على ما يرام، مع أني لا أدري من أين يتابعها ليراها على ما يرام حتى ليخيل اليّ أنه يتحدث عن السويد وليس عن لبنان!

منذ بضعة أيام كنت أتابع فيلماً ليس بالجديد للمخرجة نادين لبكي تحت عنوان quot;رصاصة طايشةquot; والذي تتمحور أحداثه خلال الحرب اللبنانية. مشاهد الحرب في ذلك الفيلم ارتسمت أمامي وكأنها تتكرر الآن وان في صياغة مختلفة، وأصبحت أعيش هاجس بوسطة عين الرمانة جديدة، وفي أي لحظة، فعلى ما يبدو أن اللبنانيين لم يتعلموا من تجربة الماضي ومن يحرّك الدمى في الداخل وجد بالفتن الداخلية أنجع وسيلة لخراب هذا البلد.
توترات طائفية من جهة وتوترات سياسية من جهة أخرى. أحاول أن أفهم، الشارع محاولة لتحريف الأنظار عن ماذا؟ وهذا الشارع أصبح مكتضاً بدوامات صباحية ومسائية. صباحاً بمظاهرات لأساتذة أخذوا منذ أكثر من شهر الطلاب رهينة لتحقيق مطالبهم واقرار سلسلة الرتب والرواتب التي وُعدوا بها، من دون أن تحرك الدولة ساكناً. أساتذة في الشارع، طلاب في منازلهم وحكومة صامتة، وكأنها تصفّق ضاحكة لتصفية حسابات الشعب عبر الشعب. أما الدوامات المسائية فمسلّحة!

كلبنانية لا أستطيع الا أن أغضب على المهزلة التي تحصل مؤخراً على الساحة اللبنانية. لا أستطيع الا أن أغضب عندما يصبح قطع الطرقات أمر طبيعي والتغاضي عنه أكثر من طبيعي، هذا عدا الجرائم المتنقلة، وكأننا نعيش في غابة وليس دولة تحترم أبسط حقوق مواطنيها.. لا أستطيع الا أن أغضب عندما أرى أن الانتخابات النيابية أصبحت مسخرة السياسيين الذين يشّد كل منهم على مشدّه متناسين أن الانتخاب حق دستوري للشعب لمحاسبتهم وليس ليقسّموا الجبنة بالحصص التي يريدون. والمضحك المبكي أنه يبدو أن بعض المرشحين ليكونوا البديل يعتقدون أن انتخابات مجلس النواب هي مباراة لاختيار الأجمل جسداً والأكثر اثارة! الهذا الحد يستخف السياسيون ومن يتعربشون على السياسة بعقولنا أم أنهم لمسوا انخفاضاً في مستوى الوعي عند الشعب اللبناني شجعهم على المضي قدماً بثقة وخطاً ثابتة، أو أنهم أصبحوا على يقين أن لقمة العيش باتت تلهي اللبنانيين بما يكفي ولن يكون لديهم أي وقت لممارسة حقوق دستورية؟ والخوف الخوف أن ينطبق على اللبنانيين الحديث القائل: quot;كما تكونوا يولّى عليكمquot;!