يميل بعض المثقفين العرب المعاصرين الى البحث عن جذور الارهاب في الثقافة العربية، بعد أن ردَّ قسم كبير منهم، وجود جذور الإرهاب في الحالة الاجتماعية والسياسية العربية. وقالوا بأن للإرهاب الحالي أهدافاً سياسية منها تطويع إرادة الآخر باستخدام الإكراه المادي والنفسي. والقضاء على لغة الحوار السياسية التي يمتاز بها الفضاء الديمقراطي. ومنها تذويب الفرد في الجماهير واعطاء القائد دوراً استثنائياً يلغي المؤسسات، وهو ما يتنافى مع المشروع السياسي الحديث الذي تصنعه وتنفذه مؤسسات مستقلة عن إرادوية الحاكم الفرد.

وأخيراً منها التمسك بدولة توتاليتارية يقودها أحدهم، لا يُسئل عما يفعل وهم يُسألون. وأمامه جماهير هلامية، لا أثر فيها للفرد المالك لرأسه؛ أي الذي يختار قيمه باستقلال نسبي عن مجتمعه.

التربة الصالحة لإنبات الإرهاب

وكانت حجة من قال أن ثقافتنا تربة صالحة لبذور الإرهاب تتلخص فيما يلي:

1- أن حقد الإرهابيين الدفين على الحياة، والأحياء، والإبداع، والمبدعين، والفكر، والمفكرين، والثقافة، والمثقفين عامة، وتعلّقهم السقيم بجثث أسلافهم، وكراهيتهم لمعاصريهم.. كل هذا، يُشكّل علّة الذين انتصرت فيهم غريزة الموت على غرائز الحياة، كما عبّر عنها السلفي السوداني الذي قال لاتباعه: quot;جئتكم بخراب الدنيا وعمار الآخرة.quot;

2- انتشار فتاوى سفك الدماء. وكل فتوى من هذه الفتاوى، تتخذ من فتوى أقدم منها مرجعاً لها. أما الخلفيات الذهنية التي انتجت هذا الخطاب، فهي على التوالي: الأخذ بالمفهوم الدوري للزمن، والاصابة بمرض الجمود الذهني.

3- وجود الانسان الذي يفكر بالنصوص لا بالمعطيات التاريخية، وبالنقل لا بالعقل، وبالثوابت لا بالمتغيرات، وبالاتباع لا بالإبداع. ووجود فتاوى التحريم والتجريم بما هي سوابق عن كل تجربة سياسية، وعن كل حوار مع الآخر.

4- العجز عن الانتقال من الميتافيزيقا إلى السياسة؛ أي من الاندفاع وراء الأهواء السياسية إلى التفكير في البدائل السياسية الواقعية لمشاكل معقدة على الأرض.

5- تدريس النصوص الجهادية في المدارس الدينية المنتشرة في طول العالم العربي وعرضه. وتجاهل متطلبات الزمان والمكان.

6- سيظل تعاطي العنف بدلاً من تعاطي السياسة الحوارية ملازماً لبعض الحركات، ما ظلت متشبثة عصابياً بفتاوى قديمة، وما ظلت رافضة لقبول الثقافة الديمقراطية، التي تعتبر المعارضة السلمية، حقاً من حقوق المواطنة.

7- انتشار الفكر الأسطوري المستهتر، الذي يصر على النقل لا على العقل، والسيف على القلم.

8- القيام بانتاج واعادة انتاج المتعصبين المستعدين لنفي الآخر المغاير لهم عقيدة، وتفكيراً، وسلوكاً.

لماذا؟

لأن الأسس الإيديولوجية، تحوّل بذرة التعصب في قارئها إلى شجرة. وهذه الأسس هي التبسيط، التعصب، عدم الاعتراف بالتاريخ، الانغلاق النرجسي على الهويـة، التنميط التوتاليتاري (الشمولي)، وأخيراً نفي الآخر.

9- الخطاب الثقافي العربي الحالي في مجمله، خطاب تبسيطي مناف للتعقيد Complexity الذي هو قوام جميع الظواهر، مما جعله خطاباً يفكر بالشعارات السهلة والساذجة، لا بالمفاهيم المعقدة تعريفاً. كما أنه خطاب تعصب، ينطلق من حقائق مطلقة يسميها quot;ثوابت الأمةquot;، ولا يسع العقل المجرد، إلا أن يقف حيالها صاغراً، حتى ولو أودت بمستقبل أمة بكاملها. كما أن هذا الخطاب لا يعترف بالتاريخ بما هو تعاقب للأحداث والعصور، ولا يعرف الثبات، ولا يعترف بالثوابت.

10- خطاب العرب الآن، خطاب انغلاق على نقاوة الهوية النرجسية التي تنتصب قيمها الخاصة كقيم عامة جديرة بالفرض على البشرية كافة. وبما هي كذلك، فهي نفي لحق الاختلاف، واعتقاد ساذج بتفوق الهوية المركزية الإثنية على الهويات كافة.

11- الخطاب العربي الآن، خطاب توتاليتاري، يمحو الفرد محواً بإخضاعه لانضباط قوي. ويحوّل الفرد بيولوجياً ونفسياً إلى نسخة مكررة من quot;الأمةquot; في تفكيره، واحساسه، وذائقته، وسحنته، ولباسه، وحركاته، وسكناته. وهي الملامح نفسها للخطاب النازي السابق.

12- تأليب الجماهير على النخب المثقفة، ورميها بأوصاف قذرة مثل: quot;النخب المترهلةquot;، quot;النخب المتبرجزةquot;، quot;العَلمانية المتغربةquot;، quot;العَلمانية المتصهينةquot;، quot;دعاة الإسلام الأمريكيquot;، quot;كتّاب المارينـزquot;، و quot;دعاة ديمقراطية المارينـزquot;.. الخ.

13- عدم الاعتراف بثقافة العيش المشترك مع الأديان الأخرى، وعدم الاعتراف بمساواة الجنسين والاثتيات والفلسفات والأقليات الأخرى بدلاً من ثقافة الاقصاء، وثقافة السلام بدلاً من ثقافة التعبئة، وبثقافة الحوار بدلاً من ثقافة العنف قولاً وفعلاً المتغلغلة في الشعور واللاشعور.

كيف نقضي على الإرهاب؟

يرى مجموعة من المفكرين العرب المعاصرين أن القضاء على الارهاب، يمكن أن يتم باتباع عدة وسائل مالية، وتربوية، وسياسية. ولكن بدون وجود مجهود دولي متكاثف من قبل الجميع، سوف يكون من الصعب القضاء على الارهاب. ويمكن بالوسائل التالية، التخفيف من حدة موجات الإرهاب:

1- قيام شراكة عالمية وإقليمية لتجفيف ينابيع الإرهاب البنيوية، والتربوية، والثقافية، والاجتماعية، والنفسية، والاقتصادية. وهذا عمل جبار يقتضي ثورة ثقافية غربية وخاصة امريكية، لا تقل عن قطيعة خلاّقة وصحية مع الثقافة الغربية السائدة منذ القرن الثامن عشر، والمتأصلة في الوعي الجمعي الغربي، والمسؤولة عن كثير من الاختلالات البنيوية في العالم.

2- عدم الاكتفاء بالقضاء على الملاذات الآمنة، ومصادر التمويل، والتجنيد والدعم الاستخباراتي، لأن تجفيف ينابيع الإرهاب يتجاوز بكثير قواعده العملياتية والمالية، لأنها في الواقع أساساً سياسية، اجتماعية وتربوية.

3- على أمريكا أن تنهي سياسة الانحياز لإسرائيل. فهذه السياسة المتحيزة، أعطت العرب الانطباع بأن القرار الأمريكي الشرق أوسطي يُصنع في إسرائيل.

4- فرض quot;سلام الشجعانquot; من قبل أمريكا على الدول المتصارعة، في منطقة الشرق الأوسط، ليشاركوا معاً في الحرب العالمية الثالثة العسيرة والطويلة، ضد الإرهاب.

5-عقد سلسلة مؤتمرات دولية تحت اشراف الأمم المتحدة، لمحاربة الإرهاب بشكل جماعي.

6- تشجيع الخطوات الحداثية في الثقافة، والاقتصاد، والاجتماع، والسياسة، لقطع الطريق على فكر الإرهاب.

7-تجريم فتاوى التحريض على القتل وكراهية الآخر، بما هي الشكل الأكثر خطراً للعنصرية، وتقديم مقترفيها للمحاكمة.

8-ايقاف تعليم لاهوت القرون الوسطى المعادي للمرأة والطفل والآخر والانسان والعقل والحياة. وتعريف الطالب بتاريخ الأديان المقارن، والانسانيات، وحقوق الإنسان، والقانون الحديث الجاري العمل به في المعمورة.

9- وأخيراً، القيام بجهاد أسطوري ضد النـزوع المتأصل إلى العنف، وتقاليد أخذ الثأر، وروح المنازلة، التي عفى عليها الزمن، لكنها ما زالت في فضائنا حية تسعى. وفي مثل هذا المناخ الثقافي الذي يمثل فيه العنف السياسي قيمة اجتماعية سياسية، يعتبر الانتقال إلى النضال غير العنيف تدشيناً تاريخياً لتقليد سياسي غير مسبوق، وذاكرة جمعية جديدة عربية.