الربوبية فلسفة تفسر علاقة الله بالإنسان والكون، وترى ان الله خلق كل شيء وزوده بنظام متكامل للعيش وتركه دون تدخل منه، وتعتقد الربوبية ان الله لم يرسل الأديان، وانما هي من صنع البشر، ومعنى هذا انها تفصل مابين الإيمان والدين، و تؤمن بوجود الله فقط.

هذه الفلسفة لايوجد لها أب أو منشيء أو مؤسس.. وانما هي قديمة، نشأت قبل ظهور الأديان وإستمرت في التبلور والبروز والإنتشار على يد الأحرار، ويمكن النظر اليها على انها دين الإنسان الأول الفطري الذي أدرك بالبداهة وجود خالق لهذا الكون وسعى الى الإتصال به والتقرب منه بواسطة الطقوس وتقديم القرابين من أجل كسب محبته والحصول على حمايته من كوارث الطبيعة والشر المحيط به، ثم مع تطور الحياة تشذبت الربوبية وأخذت طابعا عقليا وروحيا نخبويا.

تعد الربوبية بحق فلسفة الإيمان المتنور العقلاني الذي يحترم حرية الإنسان وإرادته وقدرته على إختيار طريقة تواصله وإيمانه بالله بعيدا عن وصاية الأديان ورجالاتها، وتحرر البشر من سجون التعصب والكراهية والحروب الدينية، وتجمع شملهم حيث لايوجد فيها مشكلة إحتكار الحقيقة والإيمان وكل طرف يقصي ويكفر الطرف الآخر المختلف مثلما هو حاصل لدى الطوائف والأديان، بل على العكس في الربوبية يصبح هذا المعتقد شأنا فرديا وللإنسان مطلق الحرية في تصور طبيعة وقدرات وصفات الله حسب إدراكه ووعيه.

وتقف الربوبية في منطقة الوسط بين الإلحاد والإديان، فهي من جهة تؤمن بالله أو الخالق أو القوى العليا، ومن جهة تنفي وجود الأديان المرسلة من الله، وهي تتعارض مع الحيرة الفكرية التي يعيش فيها الملحد الذي لم يجد الأجوبة المقنعة عن تساؤلاته، وتركن للبداهة والمنطق وتؤمن بوجود خالق عظيم لهذا الكون.

طبعا هذا المستوى من الإيمان النخبوي.. لايلبي الحاجات الروحية لغالبية الناس الذين يبحثون عن الإيمان الممزوج بالدين والمتجسدات والمحسوسات و إستمداد الشعور بالطمأنينة والحماية والقوة من خلال أداء الشعائر والطقوس في المعابد والكنائس والمساجد، والإنتماء الى الأنبياء والأولياء والخضوع الى سلطة رجال الدين الذين يفكرون نيابة عنهم.

يتطلب إعتناق الربوبية مرحلة متقدمة من النضج والإستقلال النفسي الداخلي عن الإرث العائلي والإجتماعي الديني، والتخلي عن الإعتماد على مايوفره الدين من فوائد روحية نفسية، وإستبدالها بالإيمان المطلق بالله وربط العقل والروح به فقط مع استمرار الدهشة من أسرار وغموض هذا الكون وخالقه، والتساؤل الدائم عن الله والحياة الذي له أعظم الفوائد حيث انه يحررنا من إستعباد الحياة لنا ويجعلنا نرتقي بأنفسنا عن الإنغماس فيها، ونستعيد ذاتنا المستلبة من إبتلاع التفاصيل اليومية لها، ونزهد ونقلل من أطماعنا وصراعاتنا وما ينتج عنها من عذاب وشقاء.

[email protected]