كما يفعل من يدخل البيت الجديد بتغيير مفاتيح الباب الرئيسي، كذلك الحال مع الدخول إلى القلعة الثقافية باستبدال مفاتيح الدخول.
والسؤال ماهي القلعة الثقافية إن صح التعبير وما هي مفاتيحها؟
في القرآن أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها؟
المفاتيح هي الدخول بسلاسة وسرعة إلى فتح الأبواب المغلقة ولو كانت صفائح صم من صفيح منضد. والاستعصاء يتطلب التكسير والنسف والاقتحام بغير ضرورة في كثير من الأحيان.
كذلك جرى الحال مع عقل مبني على الفهم والسلام، وآخر على الحرب والخصام. أي اكشاف جغرافيا جديدة باكتاشف قارة العنف، والنزول على كوكب السلام فبأي آلاء ربكما تكذبان؟
على ماذا يعتمد العنف؟ وكيف يعمل الأسلوب السلمي؟
يعتمد العنف على العضلات والأسلحة والإكراه ، أما اللاعنف فهو أسلوب الحوار والإقناع، أي حديث العقل وتغيير السلوك، ويتم بالنزول الى لوحة مفاتيح الوعي، وهذا تغيير داخلي محض، وطبيعة المادة العصبية في الدماغ الانساني أنه يتعامل بالفكرة، وأفضل شروط إنتاجه كما يقول عالم النفس (براين تريسي) بعيداً عن التوتر، فلا يفتح العقل عويص المعضلات وشائك المسائل كما نعالج دخول مسمار في حائط فنضرب المسمار بقوة لاختراق الجدار. بل بالهدوء طبقا عن طبق.
من هنا نفهم عظمة دعوة القرآن لبناء مجتمع (اللا إكراه)، وسخافة فكرة قتل الانسان من أجل آراءه، كبدعة طورتها ثقافة مريضة، تصفي الفكر تدريجياً، وتفضي بالأمة الى الشلل التام والخرس المطبق. .
اللاعنف لايعني الاستسلام، بل ينمي الإرادة في الاتجاه الصحي؛ فهي تدعو الى الحوار ولاتبيت الحقد والنفاق، وطالما تم تهميش الكراهية، نكون قد اقتلعنا الجذور الأصلية لشجرة العنف.
واللاعنفي (لا يخاف) و (لا يتراجع) الا بـ (الاقتناع)، وأهمية هذا هو المحافظة على إرادتي الصراع، اللتين تدخلان الحوار فتندمجان؛ ولا تحطم واحدة لتبقى الأخرى، بل الاندماج والخروج بإرادة مشتركة موحدة في النهاية بسعادة وارتخاء.
الكراهية نفي للآخر، وضمور في العلاقات، مشحونة بمشاعر سلبية، وانكفاء على الذات، و(الحب) اعتراف به وتواصل معه في مشاعر إنسانية سامية، ترتقي بالمشاعر وتخلع معنى على الحياة، ويولد فيها آدم من جديد. فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه.
وأجمل أشكاله الزواج بحب، بين كائنين ينجبان نسلاً سعيداً، تنمو به البشرية بقوة حياة عظمى، من الحي الذي لايموت فتوكل عليه.
وأهمية هذا الكلام انعكاسه على الحياة السياسية، فالعنف والديموقراطية مثل الماء والنار فلايمتزجان أبدا؛ بل يطفيء النار بالماء؛ فلا يمكن بناء مجتمع ديموقراطي تعددي طالما آمنا بالعنف أسلوباً للتغيير.
ومن مزايا مجتمع (اللاإكراه) الحقوق الديموقراطية من حرية الاعتقاد والتعبير والاجتماع عليه سلمياً، وحين لاتتحرك المظاهرات في عواصم بعينها فسببها وباء العنف من جماهير غير منضبطة، وقيادات سياسية مرعوبة.
يجب أن نبني مجتمعاً نسمح فيه للجميع بالتعبير والاجتماع والنشاط والدعاية لما يعتقدون؛ فلا خوف من التفكير، ولاحدود للبحث العلمي، ولايُكفَّر أو يُخوَّن المخالف في الرأي، وأخيراً وهو الاهم أن لايستباح دم الانسان من أجل آراءه اعتناقاً وتغييراً، كما هي في الفضيحة التي تبناها فقهاء العصر المملوكي بقتل المرتد، ولم يقتل النبي مرتدا، بل حصل العكس.
نحن نقرأ من التاريخ أن الحجاج بن يوسف الثقفي العسكري نحر سعيد بن جبير وهو يقول ما اسمك؟
يجيب سعيد بن جبير.
يقول الحجاج بل اسمك شقي بن كسير!
يقول سعيد أبي كان اعلم باسمي منك.
يعقب الحجاج شقيت أنت وأبوك!
يعلق سعيد: الغيب يعمله ربي علام الغيوب.
يختم الحجاج كلامه لأدخلنك نارا تتلظى، فيجيبه سعيد وهو يشخب في دمه: لو علمت أن هذا لك ما اتخذت إلها غيرك.
يموت الحجاج بعد موت سعيد بأيام والكوابيس تنتابه بالليل فيصرخ مالي ولسعيد!
فهذه قواعد مفصلية في بناء مستقبل عربي رشيد، ولنتفق على شيء واحد: يمنع رفع السلاح واستخدام القوة لفرض الآراء دخولا وخروجا ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. وليرتد من شار وليؤمن من يختار، فهذا هو الإيمان والسلامة والعقل والديموقراطية.