الديمقراطية جزءان: صندوق الاقتراع (الآلية الانتخابية)، ثانيا حماية الأقليات والآراء المخالفة. قرار مجلس وزراء مصر بفض الاعتصام الاخواني ما هو إلا دكتاتورية الأغلبية. يجب على مصر أن تعي أن الهدف الأسمى للديمقراطية التي انتزعتها من دكتاتورية مبارك يكمن في إعطاء الفرد الأحقية الكاملة في الحرية في مقابلة مسؤولياته المدنية دون تمييز. حكم الاخوان أثبت فشله ولكن ذلك لا يعني معاقبة مؤدي ذلك الحكم والمطالبين بعودة الرئيس المخلوع محمد مرسي.
ما يطالب به المعتصمون الإسلاميون هو جزء من رغبة في الدفاع عن هويتم الإسلامية في هذا النظام السياسي الديمقراطي الجديد. بالرغم من أن حكم الإسلاميين هو حكم فاشل إلا أنه ليس فاشل بسبب توجهه الديني بشكل محض. بل لأن إداريوا هذه المجموعة وعلى رأسها مرسي هم من غير المتمرسين في الحكم السياسي بالإضافة إلى أنهم ذوي رؤية إنهزامية هي من مخلفات تاريخهم الاخواني. لا ننسى أنهم كمجموعة كانت مستهدفة سياسيا عبر تاريخهم وحين إنتهى الاستهداف فقدوا تلك الرابطة (أو الهوية) التي كانت تجمعهم أي رابطة البقاء أمام جهود الدولة في إبادة فكرهم ورموزهم. فحين تغير الوضع في عهد ما بعد الدكتاتورية ليملي عليهم التحول من دفاعي من أجل البقاء إلى مستقبلي من أجل كل مصر لم يستطيعوا التأقلم. مع الأسف بقيت قيادتهم المتحجرة التي عانت في سجون الدكتاتوريات السابقة في نفس البوتقة الفكرية غير مدركين للفرصة التي أعطيت لهم.
المؤيدون لمرسي ليسوا جميعا إخوان فلا يمكن تهميش هذه المجموعة بأكملها. ما يجمعهم هو أنهم يتفقون على المدافعة عن مرسي بغض النظر عن أدائه كرئيس. فهم يدافعون كمجموعة إسلامية عن رمز إلتحف الديمقراطية الإسلامية (مع أنه كان بالإسم فقط). من غير المعقول أن تعاملهم quot;مصرquot; كمخربين أو غير وطنيين أو إرهابيين. يمكن للحكومة المصرية الجديدة أن تتفادى إحداث شرخ عميق في النسيج المصري بمعاملة كلى الطرفين (المؤيد لمرسي والمؤيد للجيش) بنفس الطريقة. كل محرض على العنف وكل من قام بعمل إجرامي يقبض عليه ويودع السجن بعد محاكمته بغض النظر عن الطرف الذي كان يهتف له. ويجب على المحاكمة أن تكون نزيهة ومستقلة بعيدة عن الميول السياسية لتعقد في العلن وعلى مرأى من الجميع.
الخيار أما الحكومة المصرية المؤقته بقيادة جيشها إما أن تضمن للإسلاميين حق الاعتراض على خلع الرئيس السابق محمد مرسى من خلال آلية ديمقراطية أو منعهم من التعبير بحرية عن رأيهم. في الأولى ستتطور الآلية الديمقراطية بشكل فعال حتى وإن ظهر وكأنها تقف على شفى حفرة حرب أهلية. أما إذا سحب البساط الديمقراطي من تحت الإسلاميين فسيتطرون لا محالة إلى التحول إلى خيارات أكثر عنفا وأعظم تخريبا من خلال عملهم في الخفاء خارج أي آلية شرعية وحينها بالفعل ستخوض مصرا حربا أهلية لا نهاية لها إلا بعد أن يعطى الإسلاميون حقهم في العمل السياسي العلني والشرعي دون تمييز ضدهم. مثل ذلك السيناريو سيأخذ عشرات السنين كما كان الحال في دول أخرى حول العالم وسيتطلب مساعدات دولية. وفي تلك الحال ستغوص مصر في مستنقع الفقر لتنضم إلى نادي الدول الفاشلة. مكانة مصر أعظم من أن تختار الحكومة المؤقتة أن تُسكت مجموعة مؤثرة من الشعب لمدة قصيرة مقابل الرهان على مستقبل مشكوك فيه تعطى الديمقراطية فيه لمجموعة دون أخرى. دعوا الاسلاميين يهزمون رموزهم المتحجرة بأنفسهم بإعطائهم حقهم في النشاط السياسي.
التعليقات