&
بعد "فاجعة" إلغاء الدورة الثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب، و التي اعتبرها البعض مجرد تأجيل، من باب التهوين على القلة القليلة من مدمني الكتاب في تونس، بات لزاما على القائمين على الشأن الثقافي في بلادنا إنجاح باقي المواعيد الثقافية الكبرى التي تعرفها تونس على مدار السنة ومن ذلك أيام قرطاج السينمائية التي تنطلق نهاية هذا الشهر بين موعدين سياسيين على غاية من الأهمية وهما الدورتان الأولى و الثانية للإنتخابات الرئاسية.
ويحدو الأمل كثيرا من المهتمين بالشأن الثقافي في بلادنا في أن يؤثر هذا المخاض الذي تعيشه الخضراء إيجابا على الساحة الثقافية بعد سنوات عجاف من الجمود سبق عصر التروكا بقليل و تدعم في عهدها الذي شهد تخفيضا في الميزانية المرصودة للوزارة واعتداءات على فضاءات ثقافية ومعارض ومنع لفنانين من إقامة عروض أو إتمامها. كما تم زمن حكم الترويكا إغراق معرض تونس الدولي للكتاب بإصدارات أصابت كثيرا من رواده الأوفياء بالإحباط خصوصا تلك التي تساهم في بث الفكر التكفيري المتحجر ناهيك عن كتب السحر و الشعوذة و ما لف لفها.&
لذلك فإن الإرتقاء بالفعل الثقافي يبدو اليوم بحاجة ماسة إلى سياسة توليه الأهمية التي يستحق و إلى ساسة متمرسين يؤمنون بأهميته. فالثقافة يمكن أن تخدم التنمية و تدخل الحيوية على قطاعات ذات علاقة مثل السياحة و الخدمات، كما بإمكانها أن تصبح هي ذاتها مصدرا للربح في حال تحولت إلى صناعة حقيقية راهن عليها القطاعان العام و الخاص.
فالحبيب بورقيبة الإبن و في بحثه مع بدايات الإستقلال عن تنشيط القطاع السياحي و التعريف بالخضراء كوجهة سياحية متوسطية، استنجد بنجوم السينما الفرنسية على غرار باسكال بوتي، و جان مورو و غيرهم و دعاهم إلى مدينة الحمامات للإقامة و الإستجمام. و قد صاحبتهم في تلك الزيارة و سائل إعلام أجنبية أبرزت صورة تونس و ساهمت لاحقا في إنعاش القطاع السياحي الداعم و المكمل للنشاط الإقتصادي الأصلي للتونسيين وهو الفلاحة.
فالمغرب على سبيل المثال يستفيد من قدوم كبار الفنانين العرب و العالميين سواء للتصوير أو للمشاركة في المهرجانات لتسويق صورته إلى الخارج و تنشيط قطاعه السياحي، في حين أن أحد وزراء الثقافة لدينا في تونس ممن رحلوا غير مأسوف عليهم في الماضي القريب يقتبس من معجم الأموات لمنع إحدى الفنانات من القدوم إلى تونس.. ألم تكن دعوة الأديب المرحوم الطاهر قيقة للمسرحي الفرنسي الكبير جون ماري سيرو سببا في بناء مسرح الهواء الطلق بالحمامات الذي تحول إلى فضاء للإبداع ولاحتضان أرقى العروض الدولية بعد كانت الأرض التي أقيم عليها نسيا منسيا؟
و لعل ما يشجع شركات الإنتاج العالمية أيضا على تفضيل أشقائنا المغاربة هو التسهيلات التي تقدمها الرباط للراغبين في العمل على أرضها. فالديوانة المغربية على سبيل المثال لا تحتجز معدات التصوير لأشهر طويلة قد تعيق إنتاج هذا الفيلم أو ذاك كما يحصل عندنا، بل أوجدوا آلية تمكنها من الرقابة اللاحقة على المعدات وأثناء التصوير آخذين بعين الإعتبار أهمية عامل الزمن بالنسبة لهؤلاء المنتجين الذين تحولت السينما لديهم إلى صناعة مدرة للأرباح.&&
لذلك فنحن مطالبون بمراجعة جذرية للقوانين و التشريعات و النصوص المتعلقة بالثقافة و تنتظرنا ورشة عمل ضخمة في هذا الإطار. كما أننا مطالبون ببذل جهد إضافي لتسويق مهرجاناتنا الكبرى بالإستعانة بخبراء أجانب في هذا المجال مثلما فعل المغرب سواء تعلق الأمر بمهرجان السينما بمراكش أو بمهرجان موازين الغنائي أو بغيره.
فمهرجاناتنا و رغم عراقتها و أسبقيتها في الزمن على نظيرتها المغربية و الخليجية فإنها لم تصل بعد إلى العالمية بسبب قلة ذات اليد، وهي بحاجة إلى عملية تطوير شاملة يساهم فيها رأس المال سواء أكان محليا أو خارجيا، سواء بالإشتراك مع الدولة أو بصورة منفردة.&&&&&&
&