منذ أكثر من نصف قرن من الزمان وذات يوم أغبر زوغ شقيقي الأكبر ذات يوم من المدرسة لكي يلعب الكرة وكان من سوء حظه أن ضبطه والدي الشيخ أحمد البحيري رحمه الله، فما كان من والدي إلا أن ضربه العلقة التمام ولم يكتف والدي بهذا ولكنه قال له :"إنت باين عليك مش نافع في التعليم" ثم أخذه في اليوم التالي إلى الأسطى موسى حلاق الحي، وطلب من الأسطى موسى أن يقبل تشغيل أخى الأكبر (الصبي وقتها ذو العشر سنوات) مجانا لديه في منصب صبي حلاق وذهب أبي وترك أخى الأكبر في يده منشة يهش بها& الذباب عن الزبائن باكيا ونادما على تركه التعليم، وكان درسا قاسيا له وقال له والدي مقولته المكررة والشهيرة لنا دائما بأن رأسمالنا الوحيد هو "العلم". وماينطبق على أخى الأكبر وكيف إنتقل من مهنة صبي الحلاق إلى مهنة مستشار قانوني مرموق ينطبق على الشعوب وعلى الدول، فالدول والشعوب التي إنتهجت العلم سبيلا وحيدا للتقدم& وجدت نفسها وقد حققت مستوى متقدما من مستوى المعيشة في المسكن والملبس والصحة وحماية حقوق الإنسان، أما الشعوب التي لا تهتم بالتعليم فما زالت تهش الذباب عن وجوه أطفالها بواسطة منشة مستوردة من الصين!!.
كان رئيسي في العمل في أحد المشاريع التي عملت بها مستر والتون (رحمه الله) مجندا في الجيش الأمريكي وخدم في كوريا الجنوبية أثناء الحرب الكورية في عام 1951 وقال لي إن كوريا الجنوبية في ذلك الوقت لم يكن بها سوى طريق رئيسي أسفلت وحيد، وفي هذا الوقت كانت القاهرة والإسكندرية قطعتان من أوروبا، فكيف أصبحت كوريا في خلال نصف قرن من الزمان دولة صناعية كبرى تنافس منتجاتها من السيارات والإلكترونيات مصافي الدول الكبرى العريقة في هذا المجال مثل أمريكا واليابان وألمانيا؟ وكيف تدهورت دولة مثل مصر إلى الحد أنها تستورد من الأبرة للصاروخ بعد أن كانت تدعي في الستينييات (وما أدراك ما الستينييات) بأنها تصنع كل شئ من الأبرة للصاروخ؟؟ الجواب ببساطة شديدة هو التعليم.
كوريا الجنوبية اليوم تنافس فنلندا على المركز الأول في جودة التعليم في العالم، وتقبع دول إسلامية عديدة ومنها مصر في القاع.
وما علاقة التعليم بالإرهاب؟ أقول لك ما هي العلاقة:
هل سمعت يوما أن شابا كوريا قد لف حول خصره حزاما ناسفا وفجر نفسه في أتوبيس في كوريا الشمالية؟
هل سمعت يوما أن شابا مسلما من ماليزيا (حيث مستوى التعليم مرتفع)، قد قام يتفجير نفسه في مسجد شيعي مثلا.
التعليم الجيد والمبني على العلم وليس على الخرافات يعلم الطالب ما يرفع من مستوى البشر في العصر الحديث كما يعلمه تاريخ الإنسانية وليس تاريخ حقبة معينة (مزيفة في كثير من الأحيان)، فعلى سبيل المثال، لم يحدث أن تعلمنا شيئا في مدارسنا في مصر عن التاريخ المسيحي أو التاريخ اليهودي كل ما تعلمناه كان ما ذكر في القران عن موسى وعيسى ومريم، بالإضافة إلى ما تربينا عليه في المسجد من شتيمة لأتباع الأديان الأخرى وكيف أن إنجيلهم محرف وكيف أن تواراتهم محرفة وأننا فقط أجدع ناس ولم نكلف خاطرنا بأن نستمع إلى وجهة نظرهم، ولم يهمنا ولم يقلق مضاجعنا بأن جيراننا في الوطن يسمعون سب دينهم بآذانهم بصفة يومية ولا نحرك ساكنا لإيقاف تلك الإهانات، ولم يحرك شعرة منا طرد أخواننا اليهود ومصادرة أمواهم وممتلكاتهم وإتهامهم بأنهم جواسيس بعد أن عاشوا بيننا لألآف السنين.
لم نتعلم على سبيل المثال أي شئ عن الحضارات القديمة مثل حضارة الإنكا والأزتيك في أمريكا الجنوبية أو حضارة الصين وحضارة الفايكنج في دول الإسكندنافيا وغيرها من الحضارات التي ساهمت بجزء كبير من التراث الإنساني مثلما ساهمت حضارة الفراعنة والحضارة البابلية والآشورية والإسلامية.
جهلنا عن الحضارات الأخرى والأديان الأخرى يزيد التعصب بين شعوبنا لأن "الإنسان عدو ما يجهل" ومثلما نتهم الغرب ونتهم دول العالم الأخرى بأنها تكره المسلمين لأنها لا تعرف شيئا عن تاريخ المسلمين، ربما يكون هذا صحيحا إلى حد كبير ولكننا نحن أيضا نقع في نفس الخطأ فنحن نرضع أطفالنا كراهية أمريكا والغرب بدون أن نعلمهم ماقدمته أمريكا والغرب للإنسانية، كما نرضع أطفالنا كراهية اليهود والمسيحيين بدون أن نعلم شيئا عن أديانهم إلا ما نعلمنه من خلال كتبنا المقدسة فقط، أذكر أنني إشتريت مرة كتاب الإنجيل لكي أحاول أن أقرأ وأتعلم ما لم نتعلمه بالمدرسة ورأى الكتاب في يدي والدي رحمه الله وكان شيخا أزهريا معمما، وسألني ما هذا فقلت له إنه الإنجيل، فقال لى إحترس هذا الإنجيل محرف، فقلت له: "ولكنه إنجيلهم الذي إرتضوه لأنفسهم وآمنوا به"، ولم يعلق على ما قلت ولم يفعل أكثر من هذا.&
هل مصادفة أن أكثر الدول تقدما في جودة التعليم هي أفضل الدول التي توفر الرفاهية والخدمات الصحية ومساواة المواطنين وإرتفاع قدر المواطن، كما أنها أقل الدول في إنتشار التطرف بين مواطنيها، وهي أكثر الدول في قابلية التعايش مع الأجناس الأخرى وأصحاب الأديان الأخرى.
وعيب موضوع التعليم كدافع للتقدم وكمقلل للتطرف وكمحارب للإرهاب، أنه يستغرق وقتا طويلا وقد يستغرق جيلا أو جيلين قبل أن نرى نتائج مثلما نرى في كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وغيرها، ولكن لا بد من أن نبدأ ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة، وإلا سنرى مزيدا من الجهل الذي يقود للتطرف والإرهاب.
وكما يقول تجار العقارات:
Location… Location… Location
الموقع... الموقع... الموقع
فنقول نحن:
التعليم... التعليم... التعليم
وأكرر مقولة أبي رحمه الله والتي لم أقدرها إلا بعد حين:
رأسمالنا الوحيد هو "العلم"
...
[email protected]
&
- آخر تحديث :
التعليقات