عندما فقد المسجد مكانته كمركز لتدريس وتطوير العلوم الدينية نشأت المدارس والمعاهد والجامعات الدينية والتي تقوم بتدريس العلوم الدينية من فقه وشريعة وخلافه، وتوسع إنشاء تلك المدارس والجامعات في كل العالم الإسلامي وحتى العالم الغربي حتى أصبحت بالالآف وأصبحت تخرج مئات الألاف من الشباب والذي& يحمل معه شهادات في علوم دينية لا يحتاجها المجتمع بكل هذه الكثرة، فكم أمام مسجد نحتاج سنويا وكم فقيه شرعي نحتاج سنويا؟؟ قارن هذا بالنقص الهائل في الحرف المهنية الماهرة مثل النجارة والسباكة والكهرباء والكومبيوتر وتكنولوجيا المعلومات والتمريض وكل أنواع الحرف الماهرة والتي تعاني من نقصها كل المجتمعات الإسلامية بالرغم من نسب البطالة الهائلة في تلك المجتمعات.
أخبرني صديقي وكان عضوا هاما في حزب سياسي في مصر أنه كلما زاروا قرية من قرى مصر يطلب الأهالي دائما إنشاء مستشفي ومعهد ديني، وتقوم الحكومات المتعاقبة بتلبية رغبات المواطنين فيما يتعلق بالمعهد الديني فقط وتغض النظر عن المستشفي في معظم الأحيان.
والمعاهد والمدارس الدينية تقوم بتخريج مئات الألاف سنويا ينضمون إلى طوابير العاطلين أو طابور البطالة المقنعة، فإذا أضفنا إلى هذا بعض المناهج المتطرفة التي يقومون بدراستها في تلك المدارس الدينية لعرفنا أحد أسباب التطرف.
وأنا لا مانع لدي من وجود مدارس دينية تقوم بتدريس شئون الدين لمن يرغب ولكني أعترض بشدة على كثرة العدد لأنها كما ذكرت تقوم بتخريج أعداد هائلة من العاطلين الغاضبين، لذلك أطالب بوضع خطة ليس فقط في مصر أو العالم العربي ولكن خطة على مستوى العالم الإسلامي كله لتطوير تلك المدارس بحيث تصبح مدارس مهنية تخرج أصحاب الحرف الماهرة ويمكن الإستعانة في ذلك بالتجربة الألمانية حيث يوجد بها أفضل التعليم الحرفي والمهني في العالم، وعلى العالم الغربي أن يساعد العالم الإسلامي في تحويل تلك المدارس إلى مراكز إنتاج ومراكز تطوير بشري حقيقي يساعد في تجفيف منابع الإرهاب ويساعد في عمل تنمية بشرية حقيقية.
وإن كانت أمريكا ودول الغرب صرفت عشر ما صرفته في حروبها ضد الإرهاب في أفغانستان والعراق على تطوير المدارس الدينية فقط لكانت النتائج أفضل كثيرا وكلما صرف الغرب أكثر على الأسلحة لمحاربة الإرهاب كلما زاد الإرهاب حتى أصبح تنظيم القاعدة تنظيما معتدلا ومحترما بالنسبة لتنظيم داعش وأصبح لدينا عشرات من عينة أسامة بن لادن بعد مقتله.
والعديد من تلك المدارس تعلم الأطفال التطرف الديني منذ نعومة أظفارهم، وأذكر أنني دعيت لحضور حفل تخرج إبن صديق مهاجر مصري في مدرسة دينية بولاية فلوريدا بأمريكا (وليس في كندهار بأفغانستان) وهي مدرسة من أول الحضانة حتى الثانوي ويسيطر عليها باكستانيون متطرفون، ورايت في حفل الإفتتاح بنات أطفال في عمر 6 و 7 سنوات محجبات!! وعندما بدأ المدرسون في بداية الإحتفال بقراءة أسماء الأطفال الخريجين بدأ بعض الأهالي الحضور في التصفيق، فأنبرى لهم شخصا متطرفا من أعضاء هيئة التدريس بالمدرسة هاتفا بغضب: التصفيق حرام!! طيب يا سيدنا الشيخ نعمل إيه للإحتفال بأطفالنا فكانت الإجابة: تكبير ونطقها: تكبيييير، فهتف كل من في الحفل: "الله أكبر" بما فيهم الأطفال الذين تمت تربيتهم على أن التصفيق حرام وهم في عز أمريكا، وياريت يتوقف الأمر على كراهيتهم للتصفيق فقط، ولكن يتم تربيتهم على كراهية المجتمع الذي يعيشون فيه (ذو الأغلبية المسيحية)، فعلى سبيل المثال كان لنا علاقة صداقة بأحدى الأسر المصرية المهاجرة إلى أمريكا وكانت إبنتهم تذهب إلى أحدى المدارس الدينية في أمريكا، وبحكم صداقة الأسرتين نشأت علاقة صداقة بين الفتاة وبين أبنتي، وفاجئتني إبنتي ذات مرة قائلة: هل تصدقون أن (هدى إسم الفتاة) تكره حرف الإنجليزية تي كما أنها تكره علامة زائد في الحساب !! طيب ليه يا حبيبتي كده؟؟ قالت: لأنها تذكرها بعلامة الصليب!! وكانت الطفلة وقتها في عمر التاسعة وتعيش في أمريكا مرة أخرى وليس في كندهار.
ولقد رأيت بنفسي أفلاما تسجيلية عن بعض المدارس الدينية في باكستان وأفغانستان ورأيت كيف يتم زراعة وأرضاع الكراهية في نفوس تلك الأطفال وهم في سن الحضانة، يتم بث كراهية كل أصحاب الأديان الأخرى بما فيها المسلمين من مذاهب أخرى مثل المذهب الشيعي، لذلك لا تتعجب أذا ذهب شابا أو فتى صغير رضع من ينبوع الكراهية وقام بتفجير نفسه في مسجد شيعي يوم الجمعة في باكستان أو العراق وغيرها من الحوادث التي أصبحت شبه يوميا ونقرأها ولا تؤثر فينا كما ينبغي لأنها تكررت بشكل دائم بحيث أن الواحد مشاعره قد تجمدت ونحست من كثر ما نقرأ من تلك الحوادث، مع أن ضحاياها يخلفون ورائهم نساء أرامل وأطفال يتامى وأمهات ثكلى، ولكن لا يستطيع أحد أن يوقف حمام الدم اليومي هذا والذي لن يتوقف دون أن نغلق المحبس الرئيسي عند المنبع، وهو منبع الكراهية وجزء كبير من منابع الكراهية تلك تجئ من بعض المدارس الدينية، والتي بإمكاننا أن نحولها إلى مدارس تخرج لنا عمال وعاملات مهرة يحتاجها المجتمع بدلا من أن تخرج لنا عاطلين عن العمل ومتطرفين وربما إرهابيين.&&&
&[email protected]
&