حال الأمة العربية اليوم يدعو للشفقة والرثاء بل أحياناً للعجب، فبعد موجة النهضة الأولى في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، حيث تفاءلت الاجيال الجديدة بإزاحة الحكم العثماني الذي جثم على هذه الأمة مدة أربعة قرون، وأخذت تغذ السير قدماً للأمام مثل غيرها من الأمم والشعوب (رغم الاستعمار الذي زرحت تحته)، نعود الآن للوراء، لا بل لا نكتفي في العودة للخلف بل نحطم ما بناه الاوائل بكل حقد ودناءة. كان جهد الرواد الاوائل يهدف الى نفض غبار الزمن عن هذه الأمة في محاولة لنهوضها لتعوض عما فاتها من عصور التخلف والظلام من أجل غد مشرق لاجيالها اللاحقة. كانت الأجيال مدفوعة بالأمل والتفاؤل لصياغة المسقبل لهذه الأمة، وابنثقت شعارات الوحدة والحرية وأضيفت لهما شعار الحياة الفضلى (سماها البعض اشتراكية) وانتفض الجميع ضد التخلف والتبعية والقهر الاجتماعي والفقر والمرض والجهل، ولكن الأمر لم يطول فبدأت نكبات هذه الأمة تطفو على السطح بدءاً بنكسة 1967 والتي كانت علامة فارقة في مسيرة النهضة الحديثة.

وعندما تسائل الشعر عمر أبو ريشة في قصيدته الشهيرة "أمتي هل لكِ بين الأمم منبر للسيف أو للقلم"؟ كان يدرك اسباب قوة الأمم والتي تكمن في القوة العسكرية والتقدم العلمي والفكري.

وبعد مرور عشرات السنوات على هذا التسائل يأتي الرد بأن أصبح السيف الذي طالب به أبو ريشه يستل لقطع رقاب الاشقاء والتنكيل بالمواطنين، والتمثيل الشنيع بكل من يخالفنا الرأي وتكفير أصحاب الثقافة والفكر لانهم تحرروا من عبودية أصحاب الكتب الصفراء والكهوف المظلمة. ورغم حجم الانفاق الهائل على الاسلحة في العصر الحديث، فإن القوة العسكرية العربية لا يحسب لها حساب، وما يحدث الآن أكبر دليل على ذلك.

&أما القلم فانبرى لتشويه الحقائق، وتمجيد أنصاف العقول وأصحاب الخرافات والدجل والذين يريدوا أن نبقى اسرى الخزعبلات والأوهام التي أصبحت لها السيادة في العقلية العربية المعاصرة، وصدق من قال عندما تعم الفوضى تختفي الحقيقة.&

لا توجد أمة تمول دمارها كالأمة العربية، غضينا الطرف عندما استباحت اسرائيل لبنان وداست بساطير الاحتلال واحدة من أهم العواصم العربية التي كانت منبر فكر وابداع ودفعنا الثمن غالياً لتدمير هذا البلد ثم مولنا اعادة بنائه. ودمرنا الكويت في عام 1990 نتيجة حماقة السياسة العربية والتي لم يعد لها حرمات. واعيد بناء الكويت، وما بين التدمير والبناء استنزفت الأموال العربية.&

أما الجرح النازف ومنذ عشرات السنين فلا زال كما هو، وأعني فلسطين، فبعد أن كنا نتحدث عن تحرير الديار السليبة – عروس البحر يافا ودرة الموانئ حيفا وقلعة الصمود عكا- أصبحنا نستجدي رفع بعض الحواجز ونستعطف دخول القدس للصلاة وزيادة تصاريح العمل للمواطنين الفلسطينين. لم يعد الهم الفلسطيني تحرير الأرض وبناء الدولة بل أصبح الهم هو الانقسام وكيفية انهائه ، ووقفنا نتفرج على هذا الانقسام بين الفلسطينين، فما أن يجف حبر اتفاقية حتى يتفجر خلاف آخر ونبتدء من جديد في الاجتماعات والمحاورات وتبتدئ حملة التصريحات الصحفية وتهم التكفير والتخوين والعمالة، واسرائيل ماضية قدماً في التهويد وابتلاع الأرض وتشريد المواطنين.

وتمنينا أن يطول القتال في الجزائر بعدما كنا نغني لاستقلال الجزائر ونجمع التبرعات لشعبها المجاهد، وأصيح تاريخ نضالها ضد المستعمر الفرنسي علبة يعلوها الصدأ محفوظة في الأقبية المظلمة.

وانتزع جزء من السودان بعد أن تاجرنا بوحدة الأرض العربية ومسلسل التجزئة مستمر ومسلسل تمولينا للسكاكين التي تقطع أوصال الأمة مستمر وبوتيرة كبيرة.

&وضحكنا على أننا عندما مولنا الدمار والقتل في سوريا بعد أن توهمنا أننا رسل الديمقراطية والحرية، حتى خيل الينا بأن الحرية والديمقراطية هما وصفات جاهزة يمكن شرائها وطلب تعليبها وشحنها، فقط أكتب العنوان.

&والآن مصر التي درس الالآف في جامعاتها وشربت الملايين من نيلها وتغنت الحناجر بقصائدها!! تتعرض الى هجوم شرس يهدف الى تدميرها ودخولها في نفق الارهاب والتطرف لتدمير بنيانها. فلا عجب هذه الحملات الشرسة والمبرمجة ضد مراكز الحضارة العربية في دمشق وبغداد، والآن القاهرة!!&

فالى متى سنظل في ذيل التاريخ؟

لن يكتب لهذه الامة البقاء الاّ بوحدتها وهذه كلمة السر فيما يحدث الآن، فمن يتعظ ومن يعلق الجرس؟؟؟

&