لا أدري ماذا يقول حزب الله لتيار المستقبل وتيار المستقبل لحزب الله في جولة الحوار الجديدة بينهما، التي انطلقت الثلاثاء. فالتيار يتهم الحزب بقتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والحزب يتهم التيار بالخيانة والتآمر على "المقاومة".
لا أحد يدري ما يمكن أن يقوله أي من هذين الفريقين للآخر اليوم، خصوصًا أن الوصف الوحيد الذي خرج به الجميع، متورطون في الاجتماع أو مطلعون عليه، هو "إيجابي". اللبنانيون يعرفون أن كلمة إيجابي ترادف في السياسة الداخلية اللبنانية كلمة أخرى: "عدم".
حين قرر حزب الله في العام 2011 إقصاء الشيخ سعد الحريري عن رئاسة الجمهورية، وتاليًا عن لبنان، كان يعرف أن ذلك سيترك فراغًا في الساحة السنية، لكنه اعتقد خطأً أنه قادر على ملء هذا الفراغ بسنّتة، أي بمن اجتمع معه من رؤساء حكومة سابقين كسليم الحص وعمر كرامي، وقليلًا من نجيب ميقاتي، ومن رؤساء حكومة مؤهلين للسراي مثل عبد الرحيم مراد، وحتى مصطفى سعد، حتى أنه استمال إليه المفتي المخلوع محمد رشيد قباني في الأيام الأخيرة.
لكن حساباته فشلت، إذ أدى فرّ الحريري إلى كرّ التطرف، من الشيخ أحمد الأسير الحسيني في صيدا إلى تمدد النصرة وتنظيم "الدولة" في المساحات السينة المفتوحة.
والمثير أن حزب الله، وبيئة المقاومة، تحمل الحريري وتياره مسؤولية تسرب التطرف إلى الشارع السني، لكنه ليس المسؤول الوحيد، إنما فائض قوة الحزب وسراياه ما دفع بالسنة إلى الارتماء بأحضان الاسلاميين.
أدرك حزب الله أن لا تفاوض مع هؤلاء الاسلاميين إلا بصواريخ زلزال مقابل السيارات المفخخة والانتحاريين. وأدرك ايضًا، بعد سلسلة من النكسات من جرود عرسال إلى جرود بعلبك أن "سنّته" أعحز من سنّة الحريري على التعاطي مع المستجد. فما كان السبيل إلا بإجراء تنفس إصطناعي لتيار المستقبل، لإعادته إلى الواجهة، من أجل شراكة مقبولة بحدها الأدنى. وهذا هو الإيجابي في نظر حزب الله.
أما تيار المستقبل، فمجرد استعادته الكلمة السنية، ولو قولًا، بوجه حزب الله، أمر إيجابي، بعدما كان هو أكثر المتضررين من تسرّب المتطرفين إلى ساحته التي وسمها الحريري الأب ثم الابن بالاعتدال.
واجتهد المتحاورون الخرسان لتبريد الساحة اللبنانية وحماية الاستقرار الداخلي, والتخفيف من تشنجها السياسي والطائفي، على أن تتم معالجة الملفات العالقة، وفي مقدمها الاستحقاق الرئاسي، في جولات أخرى. لكن ما سيقول أحدهم للآخر في الجولات المقبلة، طالما أن سنة "الأرض" غير ممثلين في هذا الحوار.
فكما شيعة لبنان متصلون بشيعة سوريا، وتوجهوا إلى الشام ليحموهم، فسنة لبنان متصلون اكثر بسنة الشام. واليوم، القرار لسنة الشام لا غيرهم، مهما حاول الآخرون القول.
فقد خسر حزب الله في سوريا أكثر من 500 قتيل، والمئات من الجرحى، وهو يحتفظ بما لا يقل عن 5000 مقاتل في سوريا، يرى فيهم سنة الشام العدو الحقيقي، والقتال السني الشيعي المشتعل لا توقفه جلسة حوار لا "نكهة" لها إلا ما إبراء ذمة حزب الله