في مقالي السابق (مرشح المعارضة لرئاسة الجمهورية التركية :أكمل الدين إحسان اوغلو)، ذكرت مرشح المعارضة إحسان اوغلو، سيخوض الانتخابات ضد رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا الحالي، ومعنى هذه أن اردوغان سيترك كرسي رئاسة الوزراء، ليحتل كرسي رئاسة الجمهورية.. ولعل ثمة سائل سيسأل :ولماذا يفعل ذلك، ومنصب رئاسة الجمهورية منصب رمزي في تركيا؟

أردوغان لا يريد منصبا رمزيا فهو أقل بكثير من طموحاته الجامحة، بينما هو الآن في كرسي رئاسة الوزراء الأمر الناهي، الذي لا يعلو صوت على صوته؟

غير أردوغان قواعد لعبة اختيار رئيس الجمهورية من خلال الاستفتاء على ضرورة اختيار رئيس الجمهورية من قبل الشعب بدلا من البرلمان، كما جرت العادة طوال عقود، وبذلك خطى أول خطوة في إقامة نظام شبه رئاسي في تركيا لأول مرة في تاريخها.

وقد قابلت أحزاب المعارضة هذا الطلب بالرفض التام على اعتبار ان هذا النظام سيقود تركيا الى دولة ديكتاتورية في المستقبل، مشيرة ان أردوغان بحكم سيطرته بيد من حديد على مقاليد الأمور وهو رئيس وزراء، سيحول تركيا إلى دولة ديكتاتورية بامتياز.. رغم هذا نجح أردوغان في الحصول على مرامه بفضل تمتعه بالأغلبية الساحقة في البرلمان، حيث تزيد عدد مقاعد حزبه، حزب العدالة والتنمية على مجموع مقاعد أحزاب المعارضة الثلاثة مجتمعة : الشعب الجمهوري، الحركة القومية، وحزب الشعب الديمقراطي (وهو حزب كردي).

يتطلع أردوغان من خلال هذا التغيير إلى التمتع بصلاحيات واسعة في الحكم إن لم تكن مطلقة في ظل النظام شبه الرئاسي.

في النظام شبه الرئاسي مزايا يمكن تلخيصها :

ـ من حق الحكومة إصدار قرارات لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية على ذلك، الذي له الحق في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب ويمكن أن يشترط على

مجلس الشعب الكيفية التي يجب أن يتم بها مناقشة هذه القضايا كأن تشترط أن يتم مناقشتها بدون تعديل ولا إضافة أوان يتم التصويت عليها بنعم أو لا.

ـ هذا النظام يعطى لرئيس الجمهورية حق حل مجلس الشعب والمطالبة بانتخابات جديدة للمجلس بشرط ألا يسيء استخدام هذا الحق. بمعنى لا يجب على رئيس الجمهورية المطالبة بانتخابات جديدة للمجلس أكثر من مرة واحدة في كل سنة. ومن جهة أخرى يمكن للبرلمان فصل رئيس الوزراء أو أي وزير آخر عن طريق سحب الثقة منهم. كما أن لرئيس الجمهورية الحق في فرض قانون الطوارئ. والحق في استفتاء الشعب في قضايا يراها هامة ونتائج هذا الاستفتاء لها قوة القانون في الدولة.

أهم ما يواجه هذا النظام من مخاطر، هو تصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذي يمثل مصالح البرلمان. وهذه المشكلة عرفت في السياسة الفرنسية "بمشكلة التعايش المزدوج." وهي الحالة التي يتم فيها اختيار رئيس الجمهورية من اتجاه فكري مناقض للاتجاه الذي يمثله رئيس الوزراء. كما حدت للرئيس الفرنسي السابق ميتران "الاشتراكي" عندما فرضت عليه الجمعية العمومية أن يختار السيد شيراك "اليميني الرأسمالي" ليكون رئيسا للوزراء عام 1986. وعليه فمن الواجب على رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء أن يتعاونا وأن يتحدا لكي تنجح الحكومة وتحقق أهدافها.

وفي ظل هذا النظام يمكن قيام رئيس الجمهورية بإساءة استخدام حقه في استفتاء الشعب كما هو سائد اليوم في كثير من الدول ذات النظام شبه الرئاسي.

هل علمتم الآن لماذا يريد أردوغان أن يغادر كرسي رئاسة الوزراء، إلى كرسي رئيس الجمهورية؟

&