مثل فوز أردوغان بمنصب الرئاسة في بلاده، بالنسبة للبعض، استفتاء على شعبية سيد الأناضول، ودليلا قاطعا على أن عموم الشعب التركي راغب في تجديد العهد مع زعيم حزب العدالة والتنمية بالنظر لما حققه من نجاحات إقتصادية. واعتبر أصحاب هذا "الطرح" أن إنجازات أردوغان ما كانت لتتحقق مع غيره حتى ولو فُتحت أبواب الإتحاد الأوروبي، العصية، على مصراعيها بوجه الأتراك، واستشهد هؤلاء بنجاحات سابقة لزعيم العثمانيين الجدد خصوصا حين ترأس بلدية اسطنبول التي كانت منطلقا له نحو آفاق أرحب.
فيما رأى آخرون بأن سعي أردوغان للبقاء في السلطة واحتكارها لسنوات قادمة ماهو إلا دليل على عقلية مريضة لا مثيل لدى الغربيين، تدفع بصاحبها إلى عشق كراسي الحكم وتأبيد بقائه فيها. حيث دأب الساسة في الديمقراطيات العريقة على ترك السلطة والإلتزام بقواعد اللعبة الديمقراطية بمجرد إنتهاء الولايات الدستورية الممكنة حتى ولو كان السياسي في أوج العطاء ويحظى بشعبية منقطعة النظير. فالرئيس الأمريكي بيل كلينتون على سبيل المثال غادر البيت الأبيض بعد انتهاء ولايتيه وهو "في عنفوان الشباب" وبلاده في القمة على جميع الأصعدة، واستطلاعات الرأي تضعه في المقدمة. إذ لم يسبق لرئيس أمريكي أن حقق ما حققه بيل كلينتون لبلاده،& ورغم ذلك لم يفكر في إيجاد الحيلة من أجل البقاء على رأس السلطة في بلاده.&&
ما يحسب لأردوغان، ولا ينكره إلا الجاحد، أنه رفض استعمال قواعد بلاده لغزو العراق سنة 2003 حيث سميت الخطة الأمريكية للإجهاز على بلاد الرافدين في ذلك الوقت بـ"الصخرة والثعبان"، و كان من المفروض أن تسقط صخرة صماء (قوات أمريكية) على بغداد والمدن العراقية الشمالية من تركيا وجبال كردستان فيما سيزحف ثعبان صحراوي من الأرتال الأمريكية من الكويت، وتلتقي الصخرة بالثعبان في بغداد ليتم الإجهاز على النظام البعثي. لكن أردوغان رفض أن تقذف بغداد بتلك الصخرة من أراضيه فاقتصر الأمر على الثعبان الكويتي الذي أجهز على العراق.
كما أن أردوغان، وبخلاف أسلافه، مد يده لليونان، البلد المساند باستمرار للقضايا العربية، من أجل وضع حد للأزمة القبرصية، ومن أجل جعل البلقان واحة سلام& يتعايش فيه المسلمون والمسيحيون الأورتوذكس ويتجاوزن أحقاد الماضي الموروثة سواء عن الحقبة العثمانية أو عن تسعينيات القرن الماضي التي ارتكبت فيها مجازر يندى لها الجبين بحق المسلمين في البوسنة وكوسوفا. وحقق بعض النجاحات في هذا المجال من ذلك إزالة الحواجز من الشارع الرئيسي للعاصمة القبرصية نيقوصيا المقسمة إلى شطرين في مشهد شبيه بهدم جدار برلين الذي كان يفصل الألمانيتين.
كما كسر أردوغان الجليد مع الأرمن واتفق وإياهم على ترك مسألة مجازر العثمانيين بحقهم إلى لجنة من الخبراء محايدة ومشكلة من مؤرخين من كلا البلدين. ولقي الرجل معارضة شديدة في هذا الملف الشائك من القوميين الأتراك الذين يرفضون أي حوار مع أرمينيا حول مسألة المجازر مادامت يريفان تحتل إقليم ناغورني كاراباخ وسط أراضي أذربيدجان المنتمية إلى العالم التركي.
ومنح أردوغان حقوقا إضافية للكرد في الأقليم الجنوبية الشرقية ما كانوا ليحلموا بها مع أسلافه الذين يعتبرون الأكراد، أتراك جبال غيروا لغتهم بفعل البعد عن الحضارة. ولذلك فإن شعب "ميديا القديم" (الكرد) يفضل حزب العدالة التنمية عمن سواه من باقي مكونات المشهد السياسي التركي خاصة وأن العثمانيين الجدد أسسوا لعلاقات جيدة مع أكراد العراق وباتت لهم ممثليتهم في أربيل التي ترعى مصالحهم وكذا مصالح التركمان العراقيين.
&كما أبهر أردوغان الكثيرين بملاسناته مع شمعون بيريز في دافوس، ومن خلال مواقفه من العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة. كما أشاد البعض بمحاولاته لفك الحصار عن القطاع المنكوب بإرسال السفن المحملة بالمساعدات والنشطاء الحقوقيين.
لكن الدعم الأعمى لأردوغان للحركات الإخوانية التي يراها البعض جزء من مخطط الفوضى الخلاقة الأمريكي الهادف إلى تدمير البلدان التي تنتمي إليها هذه الجماعات، و الإصرار من قبل "سيد الأناضول" على تدمير سوريا في لحظة فارقة حاد فيها الحراك الشعبي العادل عن مساره، جعلت الرجل يفقد الكثير من شعبيته خصوصا في البلدان التي وصلت فيها الحركات الإسلامية إلى سدة الحكم إثر ما سمي "الربيع العربي".&
كما أن الفساد الذي طال نجل أردوغان وبعض أتباع والده الراغب في تأبيد حكمه، من خلال الإيهام بالسعي لإنشاء نظام رئاسي عوضا عن البرلماني الذي كان سائدا في تركيا وذلك بجعل الرئيس منتخبا مباشرة بالإقتراع العام وصاحب صلاحيات واسعة للحد من نفوذ الجيش وتدخله في الحياة السياسية، تجعل الكثيرين يتراجعون عن وضع "الطيب" في خانة الحكام الديمقراطيين. فالديمقراطية ليست فقط اختيارا للحكام من قبل الشعوب من خلال اقتراع مباشر وحر، بل هي أيضا ثقافة تقتضي أن يغادر الحكم موقعه السيادي بمجرد انتهاء المدة دون البحث عما يمكن أن يبقيه في المواقع المتقدمة.
فما قام به أردوغان لا يختلف في شيء عما يقوم به سيد الكريملين فلاديمير بوتن من حيلة للبقاء في السلطة من خلال التداول على كرسي الرئاسة مع ديميتري ميدفيدف، وعما يقوم به حكام العرب المستبدين من تعديل للدساتير للحفاظ عروشهم. لكن الإختلاف هو أن أنصار الحركات الإسلامية يصفقون لأردوغان وينتقدون من سواه.
&