بعيدًا عن كل ما يكتب ويقال بخصوص مسعود بزشكيان، وحتى بعيدًا عن كل ما يصدر منه من تصريحات تتعارض مع الصورة التي تُقدّم عنه كشخصية براغماتية معتدلة، يمكننا أن نفترض أنه بالفعل شخصية اعتدالية، بل حتى بمستوى محمد خاتمي وحسن روحاني. بل لنفترض أيضًا أن شخصيته أقوى مما يظهر، وأنه يمتلك مؤيدين داخل النظام يسايرونه في آرائه وطروحاته "الإصلاحية"، وإضافة إلى ذلك، فإن له دعمًا دوليًا. لكن بعد كل هذه الافتراضات، نتساءل: هل سيتمكن بزشكيان من تحقيق معجزة التغيير من داخل النظام نفسه؟

الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب هي نوع من التهويل والابتعاد عن الحقيقة. فأي رئيس يتم انتخابه في إيران في ظل النظام الحالي، يتم انتخابه ضمن إطار ولائه لدستور النظام الإيراني وللولي الفقيه. وأي محاولة للخروج عن هذا الإطار ستؤدي بالضرورة إلى إقصائه وربما محاكمته بتهمة الخيانة.

ما الذي يسعى إليه دعاة الإصلاح المزعوم في النظام الإيراني؟ وهل يشكل تهديدًا لفكر وفلسفة ونهج النظام؟ بوضوح وشفافية أكثر: هل يسعى النظام لإجراء إصلاحات تؤدي إلى تغيير في نهجه؟ فالتغيير الحقيقي يبدأ من التصدي لنهج ودستور النظام، وإلا فإن كل ما يُقال عن الإصلاح هو مجرد مزاعم وادعاءات بعيدة عن الواقع، وأقرب ما تكون إلى السفسطائية.

من أين جاءت فكرة الاعتدال والإصلاح في النظام الإيراني؟ هذه الفكرة لم تنشأ كاتجاه معارض أو مختلف مع النظام، بل جاءت كوسيلة لحماية النظام من تهديدات الأجنحة الأخرى داخله، ودفع التحديات والتهديدات التي تهدد وجوده. الفكرة تهدف أساسًا إلى امتصاص مشاعر الرفض والكراهية الشعبية للنظام، ومنع المعارضة الرئيسية المتمثلة بمنظمة مجاهدي خلق من تحفيز الشعب للثورة عليه.

إقرأ أيضاً: بزشكيان ورئيسي: وجهان لعملة واحدة

خلال أربع دورات رئاسية، حظي تيار الاعتدال والإصلاح بنوع من الدور والتأثير في السلطتين التنفيذية والتشريعية، وتحديدًا خلال عهدي خاتمي وروحاني. فما الجديد الذي أتوا به؟ بل ما هو التغيير الذي أحدثوه، حتى لو كان ضئيلًا؟ هل شكلوا تحديًا للنظام أو للولي الفقيه، الذي هو أساس النظام؟ من الواضح أنه لم يحدث أي شيء من هذا القبيل. بل يمكن القول إنه خلال هذه الفترات تم الإعداد والمباشرة ببرنامج النظام النووي، كما توسعت دائرة التدخلات الإيرانية وتصدير التطرف والإرهاب، بل وحتى القيام بنشاطات إرهابية خارج إيران. إذن، فكرة الإصلاح والاعتدال هي في جوهرها لخدمة النظام وضمان استمراريته، وليست أداة حقيقية للتغيير كما يُزعم.