الصورة الذهنية لثورة الحادي عشر من أيلول الكوردستانية (1961-1975) في عقول وقلوب من شاركوا فيها، ومن رأوا فيها ملاذًا لا بدَّ من اللجوء إليه، وكذلك عشاق تأريخها وما تضمنته من مبادئ وأهداف إنسانية سامية، مليئة بالحب والابتسامة. لقد أضاف بريقها الخاص وأداؤها الفعلي خلال مسيرتها الطويلة مكانتها كواحدة من أنقى وأهم الثورات التي شهدها التاريخ.

مرت ثورة أيلول (سبتمبر) بقيادة البارزاني الخالد بفترات صعبة، وواجهت تحديات ومشكلات ودسائس عديدة، وتعرضت لابتزازات محلية وإقليمية، لكنها تغلبت عليها. وشكلت الثورة تحديًا بارزًا للاستبداد والطغيان الذي كان يمثله حكام بغداد. عبر نشاطاتها الاستباقية، وما حملته من دلالات لم تُرض الكثيرين، حققت الثورة مكاسب جيوسياسية عديدة. كما توقفت مرات عدة للحوار والتفاوض مع سلطات بغداد بهدف الوصول إلى حل عادل ومشرف وحقن الدماء العراقية البريئة.

وعندما تكالبت عليها أطراف دولية وإقليمية بقصد إيذائها، تم التمهيد لتوقيع اتفاقية الجزائر بين صدام حسين وشاه إيران بوساطة جزائرية وتأييد أميركي. في كوردستان، توصل البارزاني الخالد، صانع القرار السياسي الكوردستاني وحزبه الذي كان يقود الثورة، إلى قناعة مفادها تجنب الكارثة والموت والدمار، وعدم التوجه نحو مصير مجهول ومعقد قد يفرض واقعًا مليئًا بالمحطات الفارقة في تأريخ المنطقة.

إقرأ أيضاً: مداهمة مبنى في السليمانية نقطة تحول دراماتيكية

بعد المؤامرة السيئة الصيت، وإلقاء السلاح والعودة إلى أحضان الأهل والأصدقاء، تلقينا منهم، سواء بدافع التقدير والاحترام أو من باب الفضول والخوف على مصيرنا، أسئلة كثيرة. كنا نرد عليها بفخر، ونزرع الأمل في النفوس مع بعض الدموع. وفي أحيان أخرى، كنا نتلقى أسئلة قاسية مشحونة بمقاصد خبيثة، وفي غياب السائلين كنا ننهار نتيجة عواطف اللحظات وصدمة الواقع والخسارة الكبيرة، نشاهد ألم كوردستان ونتألم من تلذذ الأعداء بآلامنا.

أما الأجهزة الأمنية التابعة للبعث، فقد أظهرت شراسة واضحة في تعاملها، ولم تعد تخفي نواياها في إبادة الكورد أو تعريبهم وتشريدهم. في كل دائرة حكومية كنا نسأل: "هل أنت من العائدين؟"، وكان الجواب بالإيجاب كافيًا لرفض معاملاتنا.

إقرأ أيضاً: اللغة الهابطة والإعلام الكوردستاني

تمت ملاحقة كوادر البارتي والبيشمركه العائدين إلى العراق، والأدباء والمثقفين، وزج المئات منهم في السجون. أدرك الجميع أنَّ الكوردي بين خيارين: إما أن يعيش حياة مليئة بالكآبة والقمع، أو يرفض بيع كرامته ويبحث عن الحرية والسلام وفقًا لظروفه.

مع انطلاق ثورة كولان، التي أكملت مسيرة النضال وأنعشت الآمال، واصلت الثورة طريقها. انتفاضة آذار (مارس) 1991 هزت عروش أعداء الكورد، وحققت نتائج هامة مهدت الطريق لمقاومة الظلم والاستبداد.