بالرغم من التكتّم الشديد الذي يمارسه النظام الإيراني على ما يجري داخل معتقلاته وسجونه ويحرص على ذلك أشد الحرص، فإنّ السيطرة على هذا الأمر أصبحت صعبة، خصوصًا مع تصاعد أنشطة "وحدات المقاومة"، وهي خلايا تابعة لمنظمة مجاهدي خلق، التي بدأت تؤتي ثمارها في كشف وفضح الجرائم والانتهاكات التي يقوم بها النظام في أقبيته السرية وسجونه بعيدًا عن الأنظار. ولعلّ تكرار تسريب تقارير عن موت سجناء سياسيين جرّاء التعذيب أصبح مصدر قلق للنظام، خصوصًا في هذه الفترة التي يحتاج فيها النظام إلى إظهار نفسه بشكل يتماشى مع الأنظمة والقوانين المرعية في العالم.

للسجناء السياسيين في إيران قصة طويلة، تبدأ من عهد الشاه الذي كان يقتلهم بطرق إجرامية مشبوهة عبر جهازه الأمني المعروف بـ"السافاك"، خاصة المنتمين إلى مجاهدي خلق. وفي 25 أيار (مايو) 1972، أعدم نظام الشاه مؤسسي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية واثنين من أعضاء اللجنة المركزية للمنظمة بأمر من الشاه، مما أكد مدى الكراهية التي يكنّها هذا النظام لمجاهدي خلق. النظام الحالي، نظام ولاية الفقيه، ورث هذه الكراهية وأثبت أنه منافس شرس لسلفه في عدائه للسجناء السياسيين بشكل عام ولمجاهدي خلق بشكل خاص. مجزرة السجناء السياسيين في 1988، التي نفذها النظام بناءً على فتوى من خميني، هي أحد أبرز الأدلة على ذلك.

إقرأ أيضاً: قراءة في حكومة بزشكيان ودور ولاية الفقيه

ورغم أن كلا النظامين (الشاه والحالي) معروفان بتشددهما تجاه السجناء السياسيين، فإن النظام الحالي تمادى أكثر، ليس فقط برفض الاعتراف بوجود سجناء سياسيين، بل بتوصيفهم بـ"محاربين ضد الله" للتغطية على جرائمه.

خلال الأيام الأخيرة، انتشر خبر مقتل المعارض السياسي مير موسوي (36 عامًا) تحت التعذيب، بعدما تم اعتقاله من قبل عناصر الوحدة الخاصة لإنفاذ القانون. أثار الخبر استياء وغضب الشارع الإيراني، ما أجبر النظام على الاعتراف بالحادثة بزعم أنها "استثنائية". لكن في ظل استمرار قضية موسوي، ظهرت تقارير جديدة حول تعذيب ووفاة السجين السياسي كميل أبو الحسني في مركز احتجاز في تنكابن. وعلى الرغم من النفي الأولي من المسؤولين، بات من الواضح أن وفاته حقيقية.

إقرأ أيضاً: فضيحة الديمقراطية المزيفة للنظام الإيراني

كميل أبو الحسني كان أحد المشاركين في انتفاضة أيلول (سبتمبر) 2022 وتم اعتقاله في 21 أيلول (سبتمبر) لإشعاله النار في موقف للشرطة. ورغم إطلاق سراحه بعد ثلاثة أشهر، استمر النظام في استدعائه للحصول على اعترافات قسرية، وخضع للضرب والترهيب. وبعد وفاته في ظروف غامضة يوم 30 آب (أغسطس)، زعم النظام كذبًا أنه توفي بسبب جرعة زائدة من المخدرات الاصطناعية، في محاولة للتغطية على الحقيقة.

حادثتا مير موسوي وكميل أبو الحسني ما هما إلا غيض من فيض، فالنظام يغطي على جرائم أكبر بكثير. وهذا بحد ذاته دليل على أن المواجهة ضد هذا النظام، بطابعها السياسي، ستستمر حتى إسقاطه.