شهد اقليم عربستان خلال الاسبوعين الماضيين، احداث يمكن للمثقفين والنشطاء الاهوازيين التدقيق فيها واخذ العبر منها. اولها إضراب العمال العرب العاملين في احدى الشركات التابعة لشركة تنقيب النفط (آزادغان الشمالي) في منطقة الحويزة، جنوب غرب الاقليم. ويعتبر هذا الاضراب نادر من نوعه، يتم لاسباب عنصرية - مهنية ويظهر مدى تاثير الخطاب المعادي والفاضح للعنصرية الذي يقوم به عدد من النشطاء في الخارج ووصوله الى مناطق نائية جدا في الاقليم.

ثانيا وفاة الكاهن الاعظم للطائفة المندائية الكنزابارا "جبار طاووس الكحيلي" حيث شارك في تشييع جثمانه وتأبينه العشرات من النشطاء الاهوازيين، وهو ايضا حراك نادر، اذ كانت تعتبر عامة الناس الصابئة المندائيين بالطائفة النجسة والاسوأ من ذلك عدم اعتراف مؤسس الجمهورية الاسلامية اية الله الخميني برسمية هذه الطائفة في ايران رغم انها طائفة موحدة ومذكورة في القران واعترافه رسميا وشرعيا بالطائفة الزرادشتية الثنوية العقيدة. ولم يثمر الاعتراف اللفظي للمرشد الحالي السيد علي الخامنئي بوحدانية هذه الطائفة في العام 1989 بعد كل المصائب التي تحملها ابناء هذه الطائفة المسالمة، بمافيها حرمانهم في الثمانينات من القرن المنصرم من بيع وشراء العقارات والعقود التجارية الا بواسطة طرف مسلم ثالث. هذه الامور وضغوط ومضايقات دينية اخرى ادت بهجرة العديد من ابناء هذه الطائفة الى الدول الغربية، اذ لاتزال النظرة الدونية للصابئة المندائيين سائدة بين رجال الدين والمسؤولين الحكوميين وقد تجلت بعدم حضور اي مسؤول حكومي - رجل دين كان او غيره - في جنازة وتأبين الكنزابرا جبار طاووس الكحيلي وهو الزعيم الروحي لجميع الصائبة في العالم. بل ولم تسمح السلطات المحلية في الاهواز حتى بارسال سيارة اسعاف لنقل الراحل الى مثواه الاخير مما اضطر باهله ان يستخدموا سيارة "وانيت" غير صالحة لذلك.

ثالثا ماجرى خلال تشييع جنازة الشيخ خالد الطعيمة شيخ عشيرة خزرج في اقليم عربستان. اذ شارك فيها الالوف من الناس بما فيهم بعض المسؤولين مثل ممثل

المرشد الاعلى في الاهواز وامامها موسوي الجزائري. وفي ختام التأبين اثار عرض بعض الشيوخ، فتاتين كهدية للزواج مع الذكور من ابناء المتوفي والتي توصف ب""الزيان" في المجتمع الاهوازي، اثار غضب النشطاء في الداخل والخارج، تجلى على شبكات التواصل الاجتماعي، مماحدى بابن المتوفي ان يستنكر الامر ويرفض الهدية المنافية لحقوق الانسان الاهوازي. ومثل ردالفعل هذا امر نادر - ان لم نقل غائب - في المجتمع الاهوازي مما يظهر مدى حيوية وحراك المجتمع المدني وتأثيره في العمق الاجتماعي والجغرافي للشعب العربي الاهوازي.

رابعا ماتفوه به كريم الطائي احد شيوخ قبيلة بني طرف في تأبين احد كبار عشائرها حيث نعت الشيخ خزعل اخر حاكم عربي لاقليم عربستان باسوأ النعوت وقام بدفاع مستميت عن القبلية في الاقليم مستهلا كلامه بمدح الثورة الاسلامية في ايران. هذا الامر ايضا اثار موجة من الاستنكار على شبكات التواصل الاجتماعي، اتهم فيها المثقفون والنشطاء الاهوازيين، الرجل بالتخلف والرجعية. لكن الامر يبدو ابعد من ذلك. فغرف الفكر في الجمهورية الاسلامية قلقة ازاء نشاط الاهوازيين بالخارج والداخل وهي تخطط بشتى الطرق للحد من توسيع دائرة الوعي القومي العربي في عربستان والحيلولة دون تحوله من حركة كمية الى حركة نوعية تؤدي الى بروز العرب كرقم لاباس به على الساحة السياسية في ايران. واخذت تجند بعض المثقفين ورؤساء القبائل لهذا الغرض بعد ان كانت الجمهورية الاسلامية ترفض التعامل مع هؤلاء في عقدها الاول بعد قيام الثورة، حيث كانت مفردة "الشيخ" تعتبر كشتيمة في ادبياتهم. لكن فقدان السلطة الايرانية لقاعدتها الشعبية وخشيتها من تنامي الوعي القومي العروبي بين جماهير الشعب العربي الاهوازي في الاعوام الاخيرة ادى بالسلطات الايرانية ان تعمل على تحسين علاقاتها وتوثيقها مع شيوخ القبائل والعشائر. كما لاننسى ان البيروقراطية والاضطهاد القومي يدفع بعامة الناس الى احضان الشيوخ ورؤساء العشائر. فعلى سبيل المثال يطول صدور الحكم في المحاكم حول الجرائم الى عدة اعوام فيما تحل المشكلة في العرف العشائري وفي اجتماع (الفصل) لرؤساء القبائل خلال ساعات. كما ان النظام الايراني ينوي العزف على وتر الخلافات القبلية القديمة في عربستان وفي مثل هذه الحالة يريد ان يذكر بما حدث من وقيعة بين الشيخ خزعل وبعض شيوخ قبيلة بني طرف ابان حكمه على اقليم عربستان (1897 -

1925). لكن يبدو من الصعب ان يتجسد حلم النظام هذا بسهولة وذلك بسبب وجود شباب قومي متحمس ونشطاء واعين على الساحة الاهوازية، لكننا يجب ان نعلم ان النظام الايراني لم يستخدم كل اوراقه حتى الان وسيطرحها على الساحة بالتدريج، كلما تطور النضال السياسي والثقافي بين ابناء الشعب العربي الاهوازي من اجل احقاق حقوقه القومية والتاريخية. وكما قلت في كتابي "القبائل والعشائر العربية في عربستان" قبل اكثر من عشرين عاما ان للعلاقات القبلية في مجمعنا جذور تعود الى قبل الاسلام وهي اقوى حتى من العلاقات الدينية التي وهنت اثر حكم رجال الدين في ايران خلال العقود الاربع الماضية. وقد حاول بعض النشطاء خلال تشييع جنازة الشيخ خالد الخزرجي وحفل تأبينه ان يستغلوا المناسبة ويطرحوا اشعار و"هوسات" شعبية تعبر عن مدى الاضطهاد القومي للشعب العربي الاهوازي وبذلك اخترقوا الخطاب القبلي خير اختراق. ويبدو ان مواجهة النشطاء للموجة القبلية المدعومة من قبل النظام الايراني ليست بالمحاولة لإجتثاث العلاقات القبلية من جذورها بل من خلال اختراقها وتوظيف مجالها الشعبي من اجل اهداف القضية الاهوازية. وفي الختام يمكنني القول بان المجتمع المدني والسياسي الاهوازي في صراع لاهوادة فيه مع المجتمع القبلي وبما ان الاول يحمل افكارا حديثة تتناغم والمجتمع الحديث ايرانيا وعالميا فانه وخلال صراعه مع الثاني سيتقدم يوما بعد يوم لكن لن تكون له الغلبة الا بتراجع دور القوى الداعمة للخطاب القبلي وانفتاح الوضع السياسي في ايران عامة و في عربستان خاصة والذي يؤدي الى تعزيز دور المؤسسات السياسية والثقافية والمدنية في المجتمع العربي الاهوازي على حساب المؤسسة العشائرية.

&