أسعدني حجم تفاعل القراء مع مقالي السابق الموسوم "الملحد أحمد حرقان.. غلبان"، ولكن هذه السعادة لم تلبث أن رافقها أسى وأنا أتأمل "ميدان التعليقات"، الذي اندلعت فيه حملات "صليبية وداعشية وإلحادية.."، لا تمت للدين أو للفكر بصلة – باستثناء من أكرم الموضوع بمرور أوتعليق الكرام! -، حتى أن أحدهم كتب تعليقه باسم عريف مقالي "أحمد حرقان"!، وإن كان بالفعل أحمد فتلك مصيبةٌ، وإن لم يكن أحمد فالمصيبةُ أنيلُ!، والذي بحسب تعليقه استنكر علي الاستشهاد بقصة الامام أبي حنيفة النعمان!، كون الامام لجأ فيها إلى طريقة عملية لإجابة السائل المُلحد، وهي الطريقة التي اسماها أحمد "بطشاً"! (عملية بحث بسيطة في قوقل يا "أحمد" تحت عنوان قصة أبي حنيفة وجاره السكران، ستخبرك أي أخلاق عظيمة كان يحملها الامام، وبين قصتي الملحد والسكران، لكل مقال مقام!)، وساتغاضى عن ذكر باقي التعليق لما فيه من إسفاف أعفُّ قلمي عن ذكره. وليسمح لي أحمد هنا أن أُسقط عليه – ومن سار في ركبه - هذا المثل الصيني، "أنا أُشير إلى القمر، والأحمق ينظر إلى إصبعي"!.

تعمدت الاستشهاد بأبي حنيفة – دون غيره – كونه مؤسس ورائد مدرسة المنطق والرأي في الشريعة الاسلامية، وهي المدرسة التي جلبت له حينها – وما زالت! – خصومة خاصة بين أقرانه من علماء المسلمين قلما استمرت بعد مناظرة أبي حنيفة!، ولكن عوضاً أن يفهم بعض القراء رمزية ومغزى تضمين مثال أبي حنيفة، ذهب بهم الشطط إلى طرح تفسيرات فجّة وغير منطقية والنيل من أبي حنيفة والاسلام!، وقاتل الله موشي دايان الذي أصاب مثل هذه الفئة من العرب في مقتل حينما قال، "العرب لا يقرأون، وإذا قرأوا لا يفهمون"!.. خذوها من فمٍ صهيوني!

حاولت في مقالي السابق أن استخدم "موس أوكام" للحلاقة المنطقية!،عبر انتقاء أبسط الأمثلة وتشذيب مقالي من الاسهاب حتى أصل بفكرة أن الاسلام ليس السبب، بل في عارض بضاعته والقائمين عليها!، ومع أن تعليقات بعض القراء أوجدت في نفسي خيبة الأمل، إلا أنها في ذات الوقت عندما تأملتها جيداً اتضح لي بأن أغلبها انطلق من بعد نفسي بحت ظاهره التطاول على الاسلام والمسلمين، وباطنه – المكشوف، وإن أرادوا إخفاءه! – لا يُعدو سوى تفريغ لشحنات السخط والغضب من حال الأمة والقائمين عليها.. حكام الغفلة.. صحيح ملاحدة آخر زمن!

أما تعليق أحدهم ويستحق فقرة لمفرده، وهو الذي أسقط فكي من الضحك وشر البلية ما يُضحك، فقد بلغت في كاتبه الجرأة في أن يسأل من هو – بصيغة الجهل والتجاهل معاً - "العالم المسلم المصري/ علي مصطفى مشرفة"؟! الذي أوردت ذكره في خاتمة مقالي!، وما علاقته بأينشتاين والنظرية النسبية!.. وياللعار والشنار!، أاستوعبت الآن عزيزي القارئ المُنصف أي محنة وظلامية تعانيها بعض العقول والقلوب؟!

عندما قرأ صديق لي – مُسلم ويتيم الأب والأم - مقالي الأخير واطّلع على تعليقات البعض أسفله، قال لي بعدها بالحرف، "لو أن في الاسلام فقط ذاك الأمل في أن التقي بوالديّ مجدداً.. لكفاني.. من هؤلاء ليحرموني من هذا الأمل"؟!

هذا التطرف والتعصب الفكري عند أغلب "ملاحدة العرب"، يجعلني في المقابل أرفع القبعة – والعقال - احتراماً وتقديراً لأمثال المفكرة والأكاديمية البريطانية المعروفة، السيدة الفاضلة/ ليزلي هازليتون، التي كانت على دين اليهودية وعاشت في إسرائيل فترة من الزمن، ثم اتخذت – وما زالت - الالحاد مذهباً لها، وهي تستقر في أمريكا اليوم. اقرأوا يا ملاحدة العرب، كتاب هذه السيدة الفاضلة الموسوم، "المسلم الأول: قصة محمد"، لتروا كيف أنصفت محمداً والاسلام بإسلوب موضوعي وحيادي راقي!. شاهدوا لهذه السيدة الفاضلة، فيديو لمحاضرة جماهيرية كبيرة – موجودة كاملة على موقع اليوتيوب – تتحدث فيها عن بلاغة القرآن الكريم ومنطقه الراقي، بإسلوب عجز أن يرقى لمثله الكثير من علماء المسلمين حتى!. ارجعوا لكتابات هذه السيدة الفاضلة التي تتصدى وتنتقد فيها بشدة هجوم وتطاول "كاهنكم الأعظم"، ريتشارد دوكينز، على الأديان وبخاصة الاسلام!

يصل بي الحديث حول السيدة الفاضلة/ ليزلي هازليتون، إلى مقال كاتبٍ صحافي أمريكي، كنت أكنُّ لموضوعية كتاباته بالغ الاعجاب والاحترام، وهو الكاتب الأمريكي اليهودي/ توماس فريدمان، الذي للأسف فقد في نظري - ونظر كل ذي لبٍّ وضمير – كل مهنية وموضوعية كان يتسم بهما بعد مقاله الذي نُشر مؤخراً في صحيفة النيويورك تايمز الموسوم ما ترجمته، "كيف تدفع داعش بالمسلمين للخروج من الاسلام". وعنوان المقال قد يُعطي القارئ حتى قبل قراءة المقال انطباعاً عن مضمونه، وليت الأمر كذلك!، فداعش هنا استخدمها الكاتب فقط ك "حصان طروادة" للولوج إلى الحديث عن الاسلام بشكلٍ تستقيم عنه الأفعى!، فالكاتب أراد أن يربط الحركات الارهابية كداعش والقاعدة وبوكو حرام – وباقي الشلة – ربطاً وثيقاً بالاسلام!، سواء عبر عرضه المباشر في المقال، أو ذلك غير المباشر عندما تعمد أن يستعرض أقوالاً لبعض الملحدين العرب ممن كانوا على دين الاسلام، فيها من التحامل والاسفاف والتشويه لصورة الاسلام والمسلمين، أقل ما يقال عنها بأنها -بلغة فريدمان- "بُول شِت"!. كما وذهب أيضاً الكاتب في مقاله للتقديم لحركة تبشيرية إلحادية أُطلقت مؤخراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي وتُدعى "البط الأسود"، والتي أنشأها ويتزعمها مصري مُلحد يُدعى، إسماعيل محمد، وهي الحركة التي بحسب وصف فريدمان، تسعى إلى "تحرير وعي المسلمين" في المنطقة، وتعتبر "متنفساً لكل ملحد عربي لينتقد عبرها بحرية تسلط المؤسسات الدينية ورجالاتها".

فريدمان الذي حاول أن يربط بين الاسلام والارهاب في مقاله، هو نفسه الذي صرّح في شهر مارس 2014، خلال مقابلة تلفزيونية له في قناة الجزيرة الناطقة بالانجليزية ما نصّه حرفاً، "لو أن الاسلام كان يحكم أوروبا في أربعينيات القرن العشرين، لكان 6 ملايين يهودي على قيد الحياة اليوم"!

&

اختم هنا أيضاً بلغة فريدمان، "نو كُومنت"!

&