منذ عشر سنوات وأنا أكتب من على منبر " إيلاف" العديد من المقالات الإنتقادية ضد سلطة قامعة للحريات، فاسدة مستحوذة لأقوات الناس، فرضت نفسها على الشعب. وكنت أخص سلطة الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم الحالي الدكتاتور الفاشي مسعود بارزاني بتلك الإنتقادات لأسباب سأوضحها فيما بعد.

روى لي أحد القياديين الكرد أنه "بعد سقوط النظام الدكتاتوري الصدامي في العراق، ولترتيب أوضاع كردستان وتقسيم المناصب والمراكز السياسية ببغداد والإقليم، إتفق حزبا بارزاني وطالباني على توقيع إتفاقية إستراتيجية لتقاسم السلطة بينهما، حينها طلب مسعود بارزاني حصة أكبر من حصة الإتحاد الوطني.. ولما إعترض الأمين العام للإتحاد جلال طالباني على ذلك الطلب، رد عليه بارزاني بالقول" أنا إرتكبت خيانة عظمى بحق شعبي، لذلك فالثمن أكبر مما تتصوره،يجب أن أحصل على ما يعوضني عن هذا العار الأبدي".

من هذا المنطلق كنت أعتبر دوما أن حزب بارزاني هو المسؤول الأول عن المآسي والويلات التي حلت بشعبي بسبب الفساد وكبت الحريات وهدر كرامة المواطن الكردي، وتاليا لأن هذا الحزب إستولى على الحصة الأكبر من رئاسة الحكومات التي تشكلت منذ ذلك التاريخ وكانت معظمها من نصيب نائب رئيس هذا الحزب..

الآن وبعد الذي حصل في اليومين الأخيرين من أحداث وتطورات دراماتيكية،لم يعد هناك شك حول دكتاتورية مسعود بارزاني رئيس إقليم كردستان ورعونة قيادات حزبه في تعاطيهم مع الشأن السياسي.. فكما أشرت في عشرات المقالات السابقة أن هذا الحزب يفتقر الى الخلق السياسي الذي يفترض أن يتحكم بعلاقاته مع الآخرين، صحيح أن السياسة هي فن إدارة المصالح، ولكن مازالت هناك قيم ومباديء إنسانية ووطنية يتمسك بها من يريد أن يحوز على ثقة شعبه، أما حزب بارزاني فهو بإعتباره حزبا عشائريا مغلقا يتوارث الأبناء عن الآباء قيادته ويرسم سياساته، ويبرع بعمليات وطرق توصله في الإنتخابات، فإنه بالتالي لايحتاج الى تلك القيم لإنتزاع ثقة المواطن والحصول على صوته الإنتخابي. ومن الطبيعي والحالة هذه أن يتجرد زعيم الحزب وقياداته من أي إلتزام تجاه شعبهم وأمتهم، لذلك ترى بأنه من السهولة أن يتحول زعيم مثل هكذا حزب الى دكتاتور لايقيم أي وزن للقيم الوطنية، ولا يتحرج للحظة من قمع الشعب بل وحتى إبادته، ولنا مثال في ذلك بدكتاتور العراق صدام حسين، واليوم يتمثل ذلك بشخص مسعود بارزاني.

فهذا الزعيم الذي يصفه أنصاره بقائد الأمة الكردية لم يتوان عن إستقدام طائرات ودبابات وقوات الحرس الجمهوري الصدامي الى أربيل في 31 آب 1996 لحسم صراعه الحزبي مع الإتحاد الوطني ولو كان ذلك على حساب كرامة شعبه وبرلمانه الذي إنتهكت حرمته تحت بساطيل جيش صدام حسين..بل أن مسعود بارزاني طالما تباهى في الكثير من المناسبات بتلك الخيانة العظمى دون أن يرف له جفن.

في السنوات الأولى من تحرير كردستان كان هذا الحزب يستحوذ على العوائد الجمركية بالمنفذ الحدودي الوحيد مع تركيا والتي كانت تكفي في تلك السنوات لدفع رواتب جميع موظفي كردستان وتنفيذ مشاريع إحياء البنية التحتية، لكن بارزاني كان يأخذ تلك الأموال ويودعها بحسابات أبنائه وعشيرته في البنوك الخارجية، كما يؤكد الكثيرون.

وبعد سنوات وحين خصصت الحكومة العراقية حصة 17 بالمائة من موازنة الدولة كحصة لكردستان، كانت حكومة حزب بارزاني تأخذ جزءا كبيرا من تلك الأموال وتذهب الى العائلة البارزانية التي إستحوذت على مال الشعب على جميع العقارات والأراضي ومشاريع الإستثمار في كردستان.

تحالف مسعود بارزاني مع الأطراف والشخصيات السنية المعادية للديمقراطية في العراق ومتورطة في الإرهاب الأسود، وبدأ يعادي الحكم الشيعي، رغم أن الشيعة كانوا بمظلومية الشعب الكردي وكانوا حلفاء أوفياء لهذا الشعب طوال سنوات النضال الثوري ضد دكتاتورية صدام حسين، وقدموا تضحيات مشتركة في خنادق النضال. وساهموا بدور كبير في منح مكاسب سياسية كبيرة للشعب الكردي ودورا رياديا للقيادة الكردية في الساحة السياسية بعد سقوط النظام الصدامي وبناء العراق الجديد.

وكنتيجة للسياسة العدائية لمسعود بارزاني ضد الحكم الشيعي، ولفصل كردستان عن العراق قام بإستخراج النفط من أراضي كردستان بذريعة تحقيق الإستقلال الإقتصادي للإقليم، لكن منذ ثماني سنوات ونفط كردستان يسرق ويهرب بالتانكرات عبر الحدود الى إيران وتركيا دون أن يعرف أحد بمصير عوائدها.. وما يصدر من النفط حاليا عبر الأنبوب الناقل الى تركيا والتي يقول وزير الموارد أنها تصل الى 625 ألف برميل من النفط يوميا، فلا أحد يدري أيضا أين تذهب عوائده، لأن عوائد هذا النفط يكفي لدفع رواتب الموظفين ولكنهم لم يستلموا رواتبهم منذ أربعة أشهر وهذا دليل على أن أموال النفط تسرق وتذهب الى حسابات خاصة.

على الصعيد القومي يعمل بارزاني وحزبه على تنفيذ أجندة الدول المعادية حد النخاع للشعب الكردي، فقد بادر بإرتهان سيادة ومستقبل الإقليم تحت يد تركيا الأردوغانية من خلال توقيع إتفاق إستراتيجي طويل الأمد يقضي بتسليم النفط المصدر الى شركات تركية لخمسين عاما، وترتب عن ذلك الإتفاق طلب الحكومة الأردوغانية من حزب بارزاني بممارسة الضغط العسكري ضد قوات حزب العمال الكردستاني. وفي كردستان الغربية تم حفر الخنادق العازلة وفرض حصار إقتصادي ظالم على هذا الجزء إمتثالا لأوامر تركيا.

وفي الصراع الداخلي بإقليم كردستان لم تبق وسيلة ولا طريقة لم يلجأ اليها بارزاني وحزبه في التعامل مع حلفائه، وخاصة عندما حان وقت إنتهاء ولاية بارزاني برئاسة الإقليم ووقوف الأحزاب الرئيسية الأربعة ضد تمديد ولايته المنتهية، فلجأ حزب بارزاني الى أرخص الوسائل وإستخدم أبشع الأساليب لتشويه سمعة قادة وكوادر تلك الأحزاب، وجند جهازه المخابراتي لتلفيق التهم الوضيعة بمعارضيه.

وتوج تلك المواقف المخزية أخيرا بطرد رئيس البرلمان المنتخب من الشعب ونواب البرلمان ووزراء الحكومة من حركة التغيير، كما أغلق العديد من القنوات الإعلامية الرئيسية وطرد منتسبيها من العاصمة أربيل الى خارج حدود مناطق نفوذه في إشارة واضحة على رغبته بتقسيم كردستان مرة أخرى الى شطرين وإدارتين حكوميتين منفصلتين.

الغريب أن بارزاني كان قد صدع رؤوسنا بانه سيعلن قريبا الدولة الكردستانية المستقلة، لكن يبدو أنه كان يقصد تقسيم كردستان الى إدارتين منفصلتين فخانه الكلام.

يعمل هذا الحزب على تنصيب رئيس برلمان من عنده بديلا عن الرئيس المنتخب، وبعد أن طرد أربعة وزراء من حركة التغيير المعارضة نالوا ثقتهم من ممثلي الشعب بالبرلمان أخذ يعين بدلاء عنهم من قيادات حزبه، وبعد أن فرض المكتب السياسي نفسه بديلا عن البرلمان، وجعل رئيسه المنتهية ولايته فوق القانون، لم يبق هناك شك بأن هذا الحزب يسير على نفس النهج الدكتاتوري لحزب البعث المنحل والمجتث في العراق.

إن هذه التصرفات والسياسات القمعية لايجب أن تمر من دون محاسبة، واليوم تعيش كردستان أجواء الإنتفاضة الجماهيرية العارمة لابد أن ينتهي عهد هذا الحزب وأن يرحل زعيمه الدكتاتور كما ذهب المئات من أمثاله، وحينما تشرق شمس الحرية مجددا على جبال كردستان ويأتي اليوم الذي ينكسر فيه القيد وتنتصر إرادة الشعب عبر إنتفاضة جماهيرية تقلب عرش الطغاة من عائلة البرزاني، عندها يجب أن يعمل البرلمان القادم على إصدار قانون لإجتثاث حزب بارزاني كما جرى بالنسبة لحزب البعث، لكي يتم إقتلاع هذا الفكر المنحرف ومحو آثار هذا العهد الأسود من تاريخ الشعب الكردي الى أبد الآبدين.