&كعادته كلما ضاقت من حوله الضغوط الداخلية والخارجية، يعمد بنيامين نتنياهو إلي إفتعال الأزمات و إختلاق الأباطيل لكي يُبعد الأنظار عما ترتكبه قوات دولته العنصرية المستعمرة من إعدامات علنية ضد المقاومين الفلسطينيين وما تقوم به من تشييد للمستعمرات الإسرائيلية فوق الأرض الفلسطينية المنهوبة.

وكما فعل منذ خمس سنوات، ها هو يَدعي ظلماً وبهتاناً ان مستشار ألمانيا الأسبق أدولف هتلر أخذ عام 1941 بنصيحة المفتي الفلسطينيى أمين الحسيني وقام بإحراق اليهود بدلاً من طردهم من أوربا كما كان ينوي.&

في إبريل عام 2010 بدأت حكومة نتنياهو في تنفيذ مخطط أدي إلي خلق الواقع الذي يعاني منه الشعب الفلسطينيى في الضفة والقطاع اليوم .. فبعد تشييد الجدار الفاصل قامت بتوسيع مستعمراتها في القدس الشرقية والضفة الغربية بشكل متواصل تحت شعار العمل علي إستيعاب القادمين الجدد من يهود شرق أوربا والقواقاز وجنوب أفريقيا، لضمان وجود أغلبية عددية لليهود بين السكان الأصليين من أبناء الضفة علي وجه التحديد.

ولما ادرك رئيس الحكومة آنذاك أن عاصفة النقد الدولي بقيادة واشنطن ربما تنال منه ومن مشروعاته التوسعية علي حساب الشعب الفلسطينيى، تعمد عن قصد وسوء نية إهالة التراب علي كتاب كانت المؤرخة الفرنسية " إيتير بارباروسا " قد نشرته أوائل نفس العام " المعاناة كهوية " لأنها طالبت اليهود بالتوقف عن تحديد علاقتهم بالآخر بالإستناد إلي رؤية هذا الآخر للمحرقة، والنظر بإمعان للمستقبل لكي يبنوا هوية وطنية خالصة لا ترتبط بحادث الإبادة الجماعية ".

ونجح نتنياهو إلي حد ما في جذب أنظار العالم إلي معاناة اليهود القاسية والفظيعة بسبب ما ترتب علي المحرقة التى تعرض لها جيل منهم خلال أربيعينات القرن الماضي، بعيداً عن سياسات إسرائيل العنصرية الإحتلالية التوسعية ورفضها الممنهج لمتطلبات السلام والإستقرار في المنطقة وتمسكها بأن يكون أمنها قبل اي أمن وإستقرار آخر.

وها هو نفس الشخص يلجأ لنفس الأسلوب التعبوي المزيف:

يعلن يوم 21 من الشهر الجاري أمام المؤتمر العالمي الـ 73 للصهيونية أن إقدام هتلر علي حرق اليهود إنما تم بناء علي نصيحة من مفتي فلسطين أنذاك !! ويؤكد أن هتلر قبل لقائه بالحسيني في برلين / شهر نوفمبر عام 1941 كان يخطط فقط لطرد اليهود من أوربا.

ويقول ضمن وقائع إستقباله – اليوم التالي - لسكرتير عام الأمم المتحدة في تل ابيب أن زيارته – أي بان كي مون - جاءت في فترة صعبة " يتعرض فيها المواطنون الإسرائيليون لعمليات عنف، يدعمها الرئيس الفلسيطينى الذي هو إمتداد لرائدهم الأكبر الذي كان السبب في وقوع المحرقة ".

وحدث إبريل عام 2010، تصدي الكثيرون لهذه الكذبة المفضوحة.

أكدت الحكومة الألمانية علي لسان المستشارة أنجيلا ميركل " كل الألمان يعرفون تاريخ هوس النازيين الإجرامي بالأجناس والذي أدي في نهاية المطاف إلي وقوع المحرقة التى مثلت إنفصالاً كاملاً عن الإنسانية " .. ونوهت وسائل الإعلام الألمانية " لهذا السبب تٌدرس هذه الحادثة في مدارسنا حتى لا تكون عرضه للنسيان، وحتى لا تتغير نظرتنا للتاريخ، لأن المسئولية عن هذه الجريمة هي مسئوليتنا نحن الألمان ".

وإنتقده من داخل إسرائيل سياسيون ومؤرخون، ليس حباً في الفلسطينيين ولكن لكي يبعدوا أنفسهم شبة التزوير والتسطيح التى إرتكبها " بحماقة أبن المؤرخ " علي حد قولهم .. وأجمعوا علي أن ما قاله ليس دقيقاً لأن فكرة المحرقة التي نفذها هتلر تنبغ في المقام الأول من خطاب له ألقاه يوم 30 يناير عام 1939 أمام الرايخشتاج ودعا فيه لإبادة الجنس اليهودي !! ..&

وقالوا ان محاولة تبرئة أدولف هتلر من جريمة إبادة اليهود بالمحرقة " يراد بها وصف شخص برئ بأنه علي رأس قائمة المُحرضين علي إبادتهم، لكي تزداد كراهية اليهود في اسرائيل وفي خارجها للفلسطينيين ومن ثم تزداد عملية العنف الممنهج التى تمارس ضدهم اليوم وغداً "،&وسخر منه البعض بشدة،&وجعل مدخله إلي التهكم علي ما جاء علي لسان نتيناهو الإعتذار لهتلر " فبعد 80 عام علينا الإعتراف أن إحراق اليهود لم يكن ليد عقيدة العنصرية ولم يتجسد في ألة الموت النازية ولا في معسكرات الإعتقال والوحشية، بل من نصيحة قدمها مفتي فلسطين ". وينهج أخر نفس المستوي من السخرية اللاذعة ويقول " لأن نتنياهو لم يقل لنا كيف إستقبل هتلر المقترح الفلسطيني، فعلينا أن نستنبط ان الزعيم الألماني .. حك شعر رأسه وقال .. يا لها من فكرة، كيف لم تخطر لي علي بال " وأمر بتفيذها في الحال.&

وإتهمته غالبية التحليلات الصحفية الأوربية بأنه تجاوز كل الحدود عندما إتهم المفتي بهذه التهمة التي ليس عليها أي دليل ألا ما يقع في مخيتله هو، وأكدوا أن ما صرح به يرقي " إلي مستوي التحريض العلني ضد الشعب الفلسطيني ".&

وإستكمالاً لهذا المسار المٌنكر والساخر في نفس الوقت.

يقول واحد من المتابعين لقضايا الشرق الأوسط أنه أكتشف مؤخراً ان الفلسطينيون الذين طالما وصفهم نتنياهو بانهم " ليسوا شعباً " لأنه لا يوجد بينهم من يريد السلام وبالتالي لا يحق لهم الحصول علي دولة، إكتشفنا أنهم في حقيقة الأمر قوة عظمي أثرت في تطور أحداث تاريخية بطريقة سلبية .. وينهي تعليقه بتوجيه نصحية لرئيس وزراء إسرائيل " يا سيد نتنياهو .. عليك أن تقرر: هل الفلسطينيون شعب أم لا؟؟ وهل هم قوة عظمي يُخشي بأسها؟؟ أم أنهم أفراد كانوا مشتتين وإلتقوا معاً صدفة؟

قال المؤرخ اليهودي توم سيجيف " أخر ما كنا نحتاج إليه لكي تكتمل الضائقة التى وضعنا الفلسطينيين فيها، أن نحكي خرافة تقول أن مفتي فلسطين إلهم هتلر فكرة حرق اليهود ". وأكد ان فرية اتهام امين الحسيني لا تصمد كثيراً أمام حقائق التاريخ التى يعرفها العالم كله.

أما داليا شيندلن فإنطلقت في مقال لها بصحيفة الأوبزيرفر البريطانية – 25 الجاري – من أرضية نفسية لكي تدلل علي ان نتنياهو "يتمتع بقدرة علي الكذب ومن ثم تصديق كذبته في محاولة لجعل الآخرين يصدقونها " لتحقيق هدف سياسي يسعي لوصعه موضع التنفيذ " .. وتقول أن الهدف الرئيسي من وراء حملته الأخير التى زيف من خلالها التاريخ الذي أضحي موثقا أكاديمياً، هو تثبيت أن " التحريض الذي يقوم بها زعماء فلسطين منذ عدة عقود هو المسئول الأول والأخير عن " موجة العنف التي تشهدها اسرائيل هذه الأيام " وهذا في حد ذاته كذب فاضح.

برغم هذه الإنتقادات وفصول التهكم التى زخرت بها العديد من الصحف داخل إسرائيل وفي أوربا، لن يتراجع نتنياهو عن تكتيك إستغلال الكذب والتزييف الذي يخدم سياساته العنصرية الرامية في النهاية إلي مواصلة قتل الشعب الفلسطينى الذي تحتله دولته مادياً ومعنوياً، والساعية بلا كلل لجلب التبرعات لبناء المستعمرات في أرضه المصادرة بقوة السلاح.

ولن يستمع إلي الأصوات التى تطالبه بالتوقف فوراً عن ترديد مثل هذه الإفتراءات التى تضر ضرر بالغ في جانب منها بمعاناة اليهود " وتقلل من حقيقة المحرقة ومكانتها في الفكر الجمعي اليهودي وفي الثقافة اليهودية ".

وسيواصل فرض جبروت إسرائيل العسكري علي الشعب الفلسطيني الذي يناضل من أجل حريته ودولته المستقلة.. وسيزيد من موجات التصفية الجسدية ليس فقط للمجاهدين الساعون لتحرير ارضهم المحتلة، ولكن ايضا للأطفال والنساء. وسيعمل علي تدمير القوي الوطنية في الضفة والقطاع .. وسيعمل علي أغراق الشعب الفلسطينية وقياداته في مهاترات لفظية ومماحكات مزورة لكي يبعدهم عن هدف التوحد.&

[email protected]