يجد المرء صعوبة في تفسير الكثير من الظواهر التي تحيط به، ولعل ظاهرة الخفية او القول علنا شيء وما يبطنه المرء شيء اخر، من الظواهر التي تستحق الدراسة والتحليل للخروج باستنتاجات او حلول لهذه الظاهرة المرضية. من الطبيعي ان يقول الانسان أشياء لا يقتنع بها، لانه يخاف ولكن ان يقولها وكانها ايمانه الشخصي وانه يعاني من ما يعاكسها فهو امر مخجل ومعيب وخصوصا لو تمكن القائل من ان يكون في موقع القوة.
اغلب السياسيين العراقيين ومن مختلف الاطياف، عانوا من بطش النظام البعثي الصدامي، ولكن مع الأسف ان ممارساتهم تكاد ان تمنح ورقة البراءة لهذا النظام. وغالبية الساسة من التيارات الدينية ولكن لم يحدث في تاريخ العراق سرقات واستغلال وتجاوزات كالتي تحدث الان. ولاجل ذلك راجت بين العراقيين نكتة تقول سئلت امراة عجوز عن رايها بالنظام السابق أي نظام صدام، فقالت يمة النظام السابق، قتل أولادنا، وهجرنا، وجوعنا، الله لا يرحمه، وسئلت عن النظام الحالي فقالت يمة النظام الحالي بيض وجه النظام السابق.
في بداية السبعينيات من القرن الماضي تم إضافة فقرة الى قانون الاسرة، وما يسمي الان البطاقة العائلية، ينص على (ان الأبناء في الاسرة يتبعون ديانة احد الوالدين ان اسلم) ولقد عانت اسر كثيرة من هذه الفقرة الظالمة، وخصوصا ان الكثيرين لم يعلموا بها، فالغالبية من الأطفال تبقى مع الاب او الام الباقي على ديانته السابقة، لان الذي يغير ديانته ينعزل عن مجتمعه وفي الغالب يعملها ليس ايمانا بل هربا من تبعات اجتماعية معينة مثل عدم القدرة على الطلاق. وفجاءة حينما يريد الأبناء دخول المدارس وبعضهم بعد البلوغ وجراء الحاجة لبعض المعاملات، يجد نفسه مسلما دون علمه، لان والده او والدته قد اسلمت قبل سنوات وهو قد لا يتذكرهم في الغالب.
طالب النواب الممثلون للكلدان السريان الاشوريين، بإضافة فقرة الى هذه المادة ومنح الأطفال حق تقرير انتماءهم الديني خلال سنة من بلوغهم السن القانونية، وليس الغاءها كليا، الا ان البرلمان العراق، لم يقبل، حتى هذا التغيير المتوافق مع ميقاق حقوق الانسان، رغم المعاناة التي يعيشها الكثيرين وبعضهم اضطر للهجرة لكي لا يفرض عليه دين لم يختاره.
في اللقاءات والحوارات التي أقامها السياسيون من أبناء شعبنا، كانت الغالبية تقر بحقوق شعبنا وحقوق الطوائف الأخرى، وكانت تقول ان باقة الورد لا تكتمل الا بكل مكونات العراق، وكان السياسيون العراقييون الحاليين حينما كانوا لاجئين، يتباكون على الحريات المفقودة في العراق، ومنها الحريات الدينية. اريد ان اعرف فقط اين صار هذا التباكي، الا يعتبر هذا الامر والاستمرار فيه ممارسة قبيحة وغير أخلاقية في زمن الحريات الدينية؟
وهل وصل بالنواب العراقيين الامر انهم يفرضون عقيدتهم بالقوة وبالقانون الغاشم على الاخرين؟ وهل الشريعة يجب ان تفرض بالقوة، واذا كانت كذلك لماذا لم يفرضها رب العالمين بنفسه، ولماذا يحتاج هذا الرب الى البشر لكي يفرضوا شرائعه على الناس؟ الا يدل هذا على ان هذا الرب قاصر وغير قادر؟ ومن جانب اخر اليس هذا مخالف ومعارض لما ورد في ايات من القران، (لا اكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي، البقرة 256، وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر الكهف 29. ولو شاء ربك لامن من في الأرض كلهم (يونس) ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" (يونس: 99).- "... فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنا عليكم بوكيل" (يونس: 108).
ان ما مارسه مجلس نواب العراقي، يعتبر استهتار بكل القيم والاتفاقيات والعهود التي وقعها العراق، والتي تلزمة باحترام حقوق الانسان وحق العقيدة وممارسة الشعائر الدينية. ان امام نوابنا الان طرق أخرى ليسلكوها في فرض الغاء القوانين الجائرة وهي الزام العراق امام المنظمات الدولية واولها المنظمات الإنسانية ومنظمات التابعة للأمم المتحدة والاتحادات البرلمانية الدولية والإقليمية، بالالتزام بالحريات الأساسية والمنصوص عليها في المواثيق الدولية.
بالأمس كانت هجمة داعش على أبناء شعبنا ومحاولته اخذ الجزية منهم او فرض الإسلام عليهم، ولم يتركهم الا بعد ان سلب منهم كل ما يملكون وحتى اوراقهم الثبوتية. وكانت الهجمة على الازيدية وما تبعها. سؤال بسيط للسادة النواب بماذا يختلف موقفكم عن الدواعش، الا تثبتون كل مرة من انكم كلكم دواعش، وان داعش خير ممثل للاسلام، على الأقل الذي وصلنا الان. مرة أخرى، ندعوا منظمات شعبنا الى التحرك لعرض ملف العراق والاضطهادات المقوننة التي يتعرض لها أبناء الأقليات، وفرض العقوبات عليه، ما لم يتم معالجة الامر ويمنح كامل الحقوق لجميع الأقليات وبالتساوي مع الاخرين.
التعليقات