قبل يومين تحررت سنجار من براثن تنظيم داعش الارهابي في عملية برية نفذتها قوات البيشمركة وبغطاء جوي للتحالف الدولي، وبعد انتهاء عملية التحرير القى رئيس اقليم كردستان السيد مسعود بارزاني كلمة بهذه المناسبة وعقد مؤتمراً صحفياً، ومن بين ما جاء في تصريحاته انه (لن يرفع في سنجار اي علم باستثناء علم كردستان)... وكان المطلعون والمتابعون يدركون جيداً ان القصد من هذا الكلام لم يكن اطلاقاً العلم العراقي كون هذا العلم مرفوع فوق أبنية كافة المؤسسات (التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية) في اقليم كردستان، بل كان القصد هو اعلام الأحزاب الكوردية ومنع رفعها، وقد تواردت التعقيبات والتوضيحات الكوردية بأن بارزاني لم يكن يقصد العلم العراقي، ولكن مع الأسف فقد عجت صفحات التواصل الاجتماعي وبخاصة لاعلاميين عراقيين بشتى الشتائم والكلمات غير المنضبطة، واستغل البعض هذا الموضوع بشكل غير لائق ظناً منه انه يقدم خدمة وطنية او سعياً للحصول على بعض الامتيازات.

&ارى في المشهد السياسي العراقي وكذلك في المشهد الاعلامي ان عنصراً مهماً جداً قد غاب الا وهو الوسطية والاعتدال والتحلي بالعقلانية في هكذا مسائل، كان يفترض ان نرى مثلاً تساؤلات واسئلة ومطالبة بالتوضيح لا ان نرى الشتائم والقاء التهم جزافاً بطريقة قديمة تعود الى سبعينيات القرن الماضي عندما كان البعث الحاكم يمتلك حقيبة كاملة من الشعارات التي هي عبارة عن شتائم وشعارات مستهلكة.

&في تلك الكلمة التي القاها بارزاني في جبل سنجار دعا الى التنسيق بين بغداد واربيل حول مسألة اعادة بناء سنجار والوضع الاداري لها، اليست هذه الدعوة مثلاً تكفي كي يكون المتابع على بينة ان القصد من موضوع العلم لم يكن العلم العراقي؟! لكن مع الأسف فان ما حدث وما قام به البعض من الاعلاميين من حملة بهذا المستوى يدل على حالة الانقسام الشديدة التي يعيشها المجتمع العراقي ويعيشه الواقع السياسي العراقي... ويعيشه الاعلامي العراقي... يبدو لي ان الاصطياد في الماء العكر ليس جالباً للحظ في كل مرة لذا ينبغي بنا كاعلاميين عدم التسرع واطلاق الاحكام جزافاً وايهام القادة والمسؤولين بهكذا اساليب.

&كطرح واقعي سيكون من المفيد تبني الخطاب الوطني المعتدل والعقلاني والهاديء والمسؤول من قبل الأخوة الاعلاميين والمثقفين بخاصة في اوقات الأزمات الحرجة كالتي نمر بها الآن وذلك كمساهمة منا وبأضعف الايمان لتقريب وجهات النظر بين المختلفين في الرأي سياسياً وعلى مستوى القيادات وكذلك كمساهمة في تحمل مسؤولياتنا التاريخية كي لا نكون بمثابة من يصب الزيت على النار، فالنار هذه ان اقدم البعض على اذكائها ستحرقنا جميعاً.

&لم يعد الوضع العراقي يتحمل انقسامات وتشرذماً أكثر ولم يعد بوسع الانسان العراقي خوض الحروب الى ما لانهاية،اخرها هذه الحروب المؤسفة باسم الطائفية والقومية... هذه دعوة للتهدئة ومن ايماني بالشعور بالمسؤولية الأخلاقية للعمل الاعلامي الذي بمقدوره ان يبني وان يهدم... فهل من ضرر ان تبنينا جميعنا العمل البناء وخطاب الوسطية والاعتدال؟! وهل من ضير ان دعونا الى ثقافة الاندماج والتعايش السلمي في وطن يجمعنا ويحملنا على ظهره وسيحضننا في رحمه؟!

ملاحظة : طوال الحرب الأهلية في لبنان والتي بدأت في( 13 نيسان 1975 وانتهت في 13 تشرين الاول 1990 ) التزم المثقفون اللبنانيون جميعاً بخطاب وطني متوازن ورغم انتماءاتهم الطائفية والدينية والسياسية لكنهم بقوا محافظين على خطاب وطني نابذ للحرب والتشرذم والانقسام.