إن صوت الإنفجارات وإطلاق الرصاص، وأضواء سيارات الإسعاف وهي تجوب شوارع باريس، والجثث الملقاة على الأرض، أعادت لأذهاننا مشاهد حادثة "شارلي إيبدو" قبل عشرة أشهر، وحادثة ضاحية بيروت- برج البراجنة قبل عدة أيام، وهجوم أنقرة، الذي إستهدف متظاهريين سلميين كرد، قبل عدة أسابيع.
إن ما حدث في باريس من أعمال إرهابية همجية، ما هي إلا موجة جديدة من الإرهاب الأعمى، ضمن سلسلة الإرهاب، التي تضرب كافة أنحاء العام، وهذه الموجة لن تكون الأخيرة للأسف. أما لماذا باريس تحديدآ، برأي الأمر يعود لعدة أسباب، منها محورية الدور الفرنسي في القارة الأوربية، وموقفها المتشدد من النظام السوري، الإرهابي الأكبر في العالم وصانعه. وثالثآ لوجود أكبر جالية مسلمة فيها، وخامسآ، صعوبة وصول الإرهابين إلى الولايات المتحدة. وسادسآ، مشاركة فرنسا في قصف مواقع تنظيم داعش داخل سوريا.
ورغم عدد الضحايا الكبير، إلا أنني واثق بأن الإرهابيين سيفشلون في لي زراع الدولة الفرنسية، وثنيها عن مواقفها الصلبة من التنظيمات الإرهابية، وأن المواطنين الفرنسيين لن يرضخوا لتهديدات اولئك القتلة، ولن يغيروا نمط حياتهم. رغم ألام ما حدث، إلا أنه وحد جميع الأوربيين ومعهم كافة أحرار العالم، ضد الإرهاب والإرهابيين، وهذا بدى واضحآ من خلال حملة التضامن العالمية، مع الشعب الفرنسي وذوي الضحايا الأبرياء.
ولا يمكن بأي شكل من الأشكال، تبرير هذه الأعمال الإجرامية البربرية، التي إستهدفت مواطنيين عزل، لا ناقة لهم في مشاكل الشرق الأوسط ولا جمل. ولا يمكن وصف هذه الأعمال، إلا بالأعمال الهمجية والسادية. ولن تزيد الناس إلا صلابة وسخطآ تجاه هذه التنظيمات المتاجرة بالدين والدنيا معآ. وبرأي إن هذه التنظيمات هي ظاهرة وقتية، وستنتهي بعد فترة، ولا مستقبل لها في عالم اليوم، نظرآ لإفلاسها الأخلاقي والديني، والسياسي والإجتماعي والتربوي. إن البشرية لن تقبل العودة إلى القرون الوسطى وعصور الظلام بأي حال من الأحوال.
كان على قادة هذه التنظيمات الإرهابية البربرية، أن يسألوا أنفسهم السؤال التالي:
لماذا يفر السوريون والعراقيون من أرض خلافتهم وإمارتهم، إلى ديار الغرب المسيحي والمستعمر السابق، بدلآ من العيش في ظل راية الإسلام التي يرفعونها؟ ثم أليس غريبآ، إن أكثرية هؤلاء اللاجئين هم مسلمون سنة؟ وهناك سؤال أخر في رسم زعماء المنطقة، لماذا لا يتوجه هؤلاء اللاجئين إلى دول تسمي نفسها زورآ وبهتانآ بالإسلامية؟ إن الإسلام ليس مجرد شعار نرفعه أو بناء مساجد، ولا أداء العبادات، وإنما هو حقوق ومعاملة حسنة وأخلاق، وتحقيق العدالة الإجتماعية، بين الناس.
أما أسباب ظاهرة الإرهاب الإسلام السياسي، وإنتشاره بهذا الشكل، فيمكن إختصاره بعدة نقاط منها:
- فشل الدولة الوطنية، في إحتضان أبنائها من كافة القوميات والمذاهب.&
- سيادة الحكم البوليسي والفردي والعائلي، في هذه الدول منذ الإستقلال وإلى الأن.
- غياب الحرية والديمقراطية.
- سياسة الإقصاء التي إتبعتها الأنظمة الحاكمة، تجاه الأطراف الإخرى.
- زيادة الفوارق الإجتماعية بين أفراد المجتمع، وإرتفاع نسبة الفقر.
- غياب مفهوم المواطنة.
- حالة النهب والسلب والفساد المنظم من قبل الزمر الحاكمة.
- دعم الغربيين للأنظمة المستبدة والفاسدة في المنطقة.
- إلتزام الغرب الصمت، تجاه ما تقوم به تلك الأنظمة من خرقات لحقوق الإنسان.
- دعم الغرب للإنقلابات العسكرية وسرقة الثورات العربية.
- صمت الغربيين عن جرائم صدام وأل الأسد لسنيين طويلة، والأن صمتهم تجاه جرائم الشيعة العراقيين، والطغمة الحاكمة في كل من أنقرة وطهران وإسرائيل.
- وأخيرآ عدم حل القضية الكردية والقضية الفلسطينية، وهما قضيتين عادلتين.
وبرأي أخطأ الغربيون كثيرآ، عندما تخلوا عن الشعب السوري، وتركوه فريسة لألة الحرب الإجرامية لبشار الأسد ونظامه الإرهابي. وبهذا التخلي منحوا النظام السوري والإيراني، الفرصة لخلق كل من جبهة النصرة وتنظيم داعش الإرهابيتين، وساعدهم في ذلك الإرهابي الثاني أردوغان وبدعم مالي من دول الخليج. دول الخليج ظنت أنها بذلك تستطيع الإطاحة بنظام الطاغية بشار، ولكنهم كانوا مخطئين، لأن النظام السوري له تجربة طويلة مع المنظمات الإرهابية وتفريخها وإدارتها. وإستطاع أن يوظف ورقة المنظمات الإرهابية لصالحه بشكل بارع، ووضع العالم أمام خيار صعب جدآ،إما الأسد أو تنظيم داعش، وهذا هو المأذق الذي نعاني منه الأن جميعآ.
وشخصيآ لا أستبعد أن يكون للنظام السوري الباغي، أصابع مباشرة أو غير مباشرة في هجمات باريس الدامية. بحكم إختراقه لكافة المنظمات الإرهابية وعلاقته الوثيقة بنتظيم داعش، وهذا بدى واضحآ، من خلال تجنب النظام الاصطدام بالتنظيم في أي مكان. ويكفي قراءة تصريح بشار الأسد الأخير، حول هجمات باريس بنوع من الإمعان عندها سيكتشف بأنه المستفيد الوحيد من تلك الهجمات، التي إستهدفت فرنسا على وجه التحديد.
ولا يمكن القضاء على هذه التنظيمات الإرهابية، من دون القضاء على مسبباته وأولهم تلك الأنظمة المستبدة، التي تحكم شعوب المنطقة بالحديد والنار، وعلى رأسهم النظام السوري الشرير، وحليفه نظام الملالي في قم، ونظام الجنرال سيسي وجنرلات الجزائر وحل مشكلة الفقر، وإحلال الحريات، وحل القضايا القومية في المنطقة، وأخص بالذكر قضية الشعب الكردي والفلسطيني.
وهذا هذا يتطلب رفع الغطاء عن هذه الأنظمة المستبدة، وتدخلآ فعالآ من قبل الغرب في الوضع السوري، والوقوف إلى جانب السوريين، للإطاحة بالنظام بشكل نهائي. ومن دون دعم المسلحين السوريين المعتدلين، ووحدات الحماية الشعبية الكردية، بالسلاح والعتاد النوعي، لا يمكن إسقاط النظام، ومحاربة التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسهم تنظيم داعش البربري والقضاء عليه.
التعليقات