لا يخفى على الكثير من السوريين ملاحظة أن تنظيم داعش تحول في السنتين الاخيرتين ليس فقط الى مغناطيس جاذب لكل المتطرفين الاسلاميين في العالم، إنما غدا جاذباً للمحاور الاقليمية في مد نفوذهم اللامباشر باتجاه بؤر التوتر الحالية في المنطقة، كما صار التنظيم حقلاً جالباً للدعم لبعض الفصائل المسلحة في الداخل السوري، إضافة الى أهمية ملف التنظيم لدى الدول الصغيرة في المنطقة مروراً بالدول الاقليمية الى أن غدا محط اهتمام الدول العظمى مثل أمريكا وروسيا، ومن ضمنهم فالفائدة العظمى من الدواعش لا شك كانت من نصيب ذلك القابع على ظهر قاسيون.

فحتى تركيا التي اتُهمت مِراراً من قِبل بعض الأطراف الدولية بأنها تساهم في انتعاش التنظيم وحيويته البشرية من خلال جعل أراضيها خط ترانزيت لتسلل العناصر الى الداخل السوري، صرح وزير خارجيتها فريدون سينيرلي أوغلو في كلمة له خلال مشاركته في مؤتمر مستقبل الشرق الأوسط الذي عقد في أربيل بإقليم كردستان العراق يوم الأربعاء قائلاً: إن تنظيم داعش يشكل تهديدًا على الأمن القومي لتركيا، وإن بلاده ستواصل دعمها لبغداد وأربيل في حربهما ضد التنظيم المذكور، وإن لدى بلاده خطة للتحرك العسكري ضدهم (داعش) في الأيام المقبلة، معتبراً التنظيم مصدر خطر وينبغي على الجميع الوقوف بوجه ذلك الخطر.

ففي سوريا أيضاً بإمكان كل فصيل داخلي من الفصائل المسلحة سواءً أكان اسلامياً أم غير ذلك، إذا ما أراد أن يتلقى بعض الدعم العسكري واللوجستي فبإمكانه أن يُشهر على الملأ محاربته لتنظيم داعش، بل وكل دولة غربية لديها فائض في الاسلحة وتريد أن تتخلص من أعباء خُردتها أو ترسانتها القديمة بيعاً أو تجريباً، يمكن لها أن تعلن على الملأ بأنها بصدد محاربة داعش والانضمام الى الحلف الدولي المهتم والمروّج لظاهرة الدواعش مثل وسائل الاعلام.

فحسب المحللين ومعارضي سياسة العدالة والتنمية، أن تركيا التي لا يغضبها أي شيء في تكوين وغاية ومرامي الدواعش، تحاول هي الاخرى أن تمتطي حصان داعش الجذاب والاستفادة من ظاهرة الحرب على التنظيم الذي غدا أفضل ذريعة للصغار والكبار، وبالتالي الانضمام لجوقة التحالف الدولي والعزف على منوال المتحالفين، ولكن الاحتمال الكبير بعد موافقة الائتلاف الدولي على المعزوفة التركية الجديدة هو بأن تقوم تركيا بقصف فقط مواقع وحدات الحماية الشعبية عوضاً عن داعش، باعتبار أن وحدات الحماية هي لب اللحن وجوهر السيمفونية التركية الجديدة، وبذلك تظهر أمام العالم بأنها كباقي الدول تحارب الارهاب العصري لتكسب حينئذٍ رضى المجتمع الدولي، وتضرب الأعداء اللدودين لتركيا باسم داعش، باعتبار أن الاتحاد الديمقراطي وأجنحته العسكرية هم امتداد لحزب العمال الكردستاني حسب تصريحات المسؤولين الاتراك، وبنفس الوقت يكون الدواعش حينها ممنونين جداً من تصرف الجيش التركي الذي سيضعف من قدرات خصوم الدواعش المعلنين أمام العالم كخصومٍ دائمين، فهل رأيتم يا إذن ما أيسر امتطاء متن الظاهرة الحديثة للوصول سريعاً الى الغايات المرجوة لمختلف الأطراف؟ وهل لاحظتم أهمية الدواعش للقوى الدولية كلها بدءاً من الاسد مروراً بالتحالف الدولي وصولاً الى المحروسة تركيا، بما فيهم حتى حزب الاتحاد الديمقراطي مع أجنحته العسكرية، باعتبار أن مثله مثل غيره استفاد من محاربة التنظيم رغم تقديمه لمئات القرابين في معاركه المتواصلة مع جنود الآخرة منذ نشأتهم في سوريا وحتى اليوم؟