&منذ نكبة حزيران العراقية التي انتهت بضياع ثلث الاراضي من سلطة الدولة المتهاوية الى سلطة داعش ونموذجه في ادارة التوحش السلفي، ومستجدات الاحداث العسكرية في الانبار ومخلفات عمليات صلاح الدين بين قوات الحشد الشعبي وقوات داعش، تتوالى الاحاديث عن نظرية المؤامرة لتطبيق نموذج التقسيم الذي جاءت به نظرية نائب الرئيس الامريكي جوزيف بادين عندما نشر مقالته المعروفة عن تقسيم العراق الى 3 فيدراليات شيعية وكردية وسنية، مما جعل التساؤلات في خط بياني مضطرب عن حقيقة التقسيم في سياق نفوذ ايراني واقعي وارتباطات متجددة ما بين العمامة الشيعية والطربوش السني ومواقف مرجعية النجف متمثلة في مكتب السيد السيستاني من جانب ومواقف بقية الطيف السياسي بمختلف طوائف امراء الحرب فيه عن النهايات المفتوحة لهذه الحرب المستعرة التي تطرق ابواب العاصمة بغداد بين حين واخر، حتى بات استنفار كتائب حزب الله العراقية بمختلف تنوعات مسمياتها تحت خيمة الحشد الشعبي للمشاركة في صد قوات داعش عن حدود بغداد.

&وهي ليست المرة الاولى التي تستنفر فيه قوات الحشد الشعبي لهذه المهمة تحديدا - الدفاع عن العاصمة بغداد- فاصل تشكيل هذه القوات بفتوى الجهاد الكفائي كانت لذات المهمة، وبعد ان حررت مدينة تكريت، لم يغادر الهاجس الطائفي من التصريحات السياسية والكثير من سائل الاعلام بشقيها الشيعي والسني، فظهر انموذج ( الثلاجة المسروقة) للتنكيل بالانتصارات "الشيعية" على المد السلفي السني، مقابل نموذج انتقامي استحضر مرثيات البكاء الشيعي للانتصار المزعوم على القتلة في مجزرة سبايكر،الحادثة المعروفة التي ذهب ضحيتها اكثر من 1700 جندي عراقي!!

ووجدت ادارة التوحش وهي الاستراتيجية التي كتبها "أبي بكر ناجي" في كتاب يشرح فكر واستراتيجية تنظيم القاعدة وتعتمد بالكامل من قبل قيادات ما يعرف بدولة العراق والشام الاسلامية في التنافر المتزايد بين كلا النموذجين من الخطاب السياسي الشيعي والسني حتى في التعامل مع نتائج عمليات الحشد الشعبي التي تنال منه مقتلا، وامكانية تحجيم انتصاراتها عليه بالشكل الذي جعل من "سرقة ثلاجة" علامة فارقة على وسائل التواصل الاجتماعي، فيما لم تستطع الاحزاب الشيعية بكل ما يتوفر لديها من امكانيات الدولة اشاعة نموذجها القائل بان انتصارات الحشد الشعبي تمثل الانتقام من قتلة ابناء جلدتهم الطائفية في مجزرة سبايكر.

وما بين هذا وذاك، تستعيد الاحداث في محافظة الانبار نتائج عمليات صلاح الدين، فالحشد الشعبي رفض الاندماج في ساحات القتال على الرغم من الدعوات العشائرية له، ولم تصدر موافقة رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة الدكتور حيدر العبادي الا بعد الهزيمة المروعة الاسبوع الماضي حينما رفعت اعلام داعش على البنايات المحطمة لمقرات الحكومة المحلية والعمليات وسط الرمادي عاصمة محافظة الانبار، مما جعل مجلس المحافظة بصفته التمثيلية، يعقد جلسة طارئة ينتهي فيها الى الطلب رسميا من الحكومة الاتحادية بمشاركة قوات الحشد الشعبي لصد داعش عن اراضي محافظة الانبار.

&في مفارقة كبرى ما بين الولاء العشائري المنقسم ما بين داعش وهيئة العلماء المسلمين وبين الحزب الاسلامي ومواقفه المتحالفة مع القوات الامريكية والبعض الاخر للمرجع السني عبد الملك السعدي الاكثر ميلا للتدخل العربي في حل معضلة اهل السنة في العراق.

وكما يقول الجنرال البروسي كارل فون كلاتوفيتز، فان الحرب نموذجا للحلول عندما يعجز الساسة من التوصل الى حلول مرضية فتركن الحلول لأصوات المدافع، وبعد خمود اصواتها ترجع ذات الحلول السياسية الى الظهور على طاولة التفاوض من جديد وفقا لمعطيات السيطرة على الارض وليس ما قبلها.&

واذ تختصر هذه الجمل نظريات التفاوض ما بعد الحروب، فان وقائع الحرب الاهلية في العراق ما بعد 2003، لم تأت بالجديد سوى ان المحيط الاقليمي والدولي المحرك لأدوات اشعال واطفاء هذه الحرب، لن ينته من تصفية حساباته في الساحة العراقية لأكثر من سبب، يمكن ان تبدأ بحصاد المصالح الدولية في المنطقة وفقا لنظرية المحافظين الجدد في الولايات المتحدة عن الشرق الاوسط الكبير والتي لا يبدو ان نتائج الربيع العربي بكل ما فيه من متغيرات، قد انتهت الى حيث ما يريد قادة هذا التيار الاميركي الذين مالا زالوا ينتظرون نتائج تحليلاتهم عن مستقبل هذه المنطقة وفقا لما يخدم مصالحهم ومصالح الصهيونية المسيحية التي تمولهم وهناك خلافات جوهرية مع التيار الاصلاحي ان صح التعبير الذي يرى في حلول المديونية الاميركية التي تتجاوز 3 ترليون دولار اكثر اهمية من تطبيقات تزيد من هذه المديونية فجاءت بنظرية الانسحاب المسؤول من العراق التي طبقتها ادارة الرئيس اوباما بشكل شيء من العراق ولم تلملم ما خلفته فيه من اشكالات سياسية كبرى.

اقليميا، لم تنجح السياسات العربية في وضع القيادات العراقية على محك التفرقة ما بين دفء العلاقات العربية وبين نيران النفوذ الطائفي بشقيه الشيعي – الايراني- والسني - العثماني الداعم للإخوان المسلمين- فظهر الواقع العراقي على شكل " دورق كبير" لتفاعلات هذا التصارع الاقليمي وامتداداته التي دمرت الاتفاق الاميركي مع المعارضة العراقية في اجتماعات لندن 2002 التي رعاها السفير زلماي خليل زادة عن تطبيق شعار الديمقراطية للعراق من خلال نظام فيدرالي، فانتهت الامور الى ظهور تنظيم القاعدة بدعم عربي واضح في دراسات معاهد الابحاث الامنية الاوربية والاميركية، ومن ثم ظهور داعش ودولتها الاسلامية في العراق والشام تحت ضغوط الفراغ الامني في الازمة السورية والوضع العراقي الهش، لتنتهي الامور الى ما الت اليه في نكبة حزيران العراقية، ووقف الجميع يضرب كفا بكف من دهشة التنافر الطائفي في العراق، والانقسام الفج حتى داخل العشائر السنية في المحافظات الثلاث " الانبار - الموصل صلاح الدين " وهم يتقلبون على فراش داعش والحكومة الاتحادية في ان واحد، ويطالبون من خلال امراء حرب جدد، بالدعم الدولي والعربي بل وحتى الايراني، فقط لتكون لهم إقطاعياتهم الامنية كما سبق وان حصل امراء الحرب الشيعة على هذه الاقطاعيات من داخل حكومتي رئيس الوزراء نوري المالكي، الامر الذي ترجمه النائب ظافر العاني في احد تصريحاته خلال استضافته في برنامج تلفازي بان كتلته البرلمانية ترى المشروع الايراني في العراق اقل سوءا من المشروع الامريكي لكونه ضد الغاء هوية العراق كما هو المشروع الامريكي وضده في ذات الوقت كونه مشروعا طائفيا.

&

السؤال: الى اين سينتهي كل هذا؟

سبق للدكتور موفق الربيعي، مستشار الامن القومي اسابق والنائب حاليا، وان نشر مقالا في صحيفة الواشنطن بوست اوائل عام 2008، اشار فيه الى انه من المرجح أن تسمح الجغرافية السياسية العراقية بإقامة خمسة أقاليم تحكم على أساس فدرالي، وأوضح الربيعي هذه الأقاليم بأنها تتمثل بإقليم كردي يضم كردستان والمناطق المجاورة، وإقليم غربي يضم الموصل وأودية أعالي دجلة والفرات، وإقليم الكوفة ويقام حول محافظات الفرات الأوسط، وإقليم البصرة ويضم الأودية السفلى لدجلة والفرات، وإقليم بغداد، ويقام حول منطقة بغداد الكبرى، والتي يمكن أن تضم جزءا من محافظتي ديالى وصلاح الدين.&

مشكلة تنفيذ هذه " الاستراتيجية " التي واجهت معارضة واضحة من مكتب المرجع الديني اية الله السيستاني، فقط لان الاحزاب الشيعية ترى في هذه الاقاليم نموذجا للاندماج بنظام ولاية الفقيه الايراني، لاسيما وان المجلس الاسلامي الاعلى الرافض اليوم للتقسيم وفقا للنموذج الاميركي، سبق له وان طالب بفيدرالية شيعية تبدأ من سامراء وتنتهي في البصرة!

&لذلك، يروج اليوم في مجالس ثقافية شيعية مختلفة اهمية التوصل الى حلول فيدرالية، يمكن ان تزيد في قدرات هذه الاحزاب لاسيما قادة امراء الحرب الجدد في الحشد الشعبي، من الاعلان عن نموذج القبول الشعبي الكامل بالولاء لولاية الفقيه الايراني، وهي نموذج بات له مقبولية واسعة في محافظات الجنوب وتتطلب موافقة سنية فقط يمكن ان تتولد نتيجة نفوذ وقدرات سيطرة قواتهم على مناطق حيوية من اراضي المحافظات السنية ربما تجبرهم على الصمت وعدم التعرض لتطبيقات هذا النموذج بعد ان بات ظهور صور المرشد الاعلى للثورة الايرانية وهو يحي لافتات شهداء الحشد الشعبي معلما بارزا في مفارق الطرق داخل العاصمة بغداد!

&وحينما اجتمع قادة منظومة مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الامريكي في منتجع كامب ديفيد لم يقدم اوباما غير نظريته عن الانسحاب المسؤول من العراق وتركه يحل مشاكله بنفسه، والسؤال هل تقنع التعهدات الامريكية بضمان امن هذه المنظومة وفقا لذات المفهوم عن انسحاب يبدو من حيث الوقائع العراقية والسورية... بأنه غير مسؤول؟!

[email protected]

&