من الواضح ان احد أسباب انفجار الوضع الامني والاحداث الدامية التي يشهدها قضاء دوزخورماتو التي تعني بالكوردية طريق البلح والتوت او خورماتو أي منطقة البلح والتوت لا يخرج عن اطار محاولة فاشلة للتغطية على الانتصارات الباهرة التي حققها البيشمه ركه في ( شنكال سنجار ) التي تعني بالكوردية أيضا الطرف الاغر او الاجمل وتحرريهم المدينة واطرافها من سطوة عصابات الإرهاب المنفلتة وأيضا سيطرتهم المطلقة على الطريق رقم 47 الذي يربط ما بين الرقة السورية ومدينة الموصل مما يعني تقطيع اوصال الثعبان الاجرامي و حرمانه من التواصل المباشر بين المدينتين وتأثير ذلك على الهجوم القادم لتحرير مدينة الموصل.

أيا كانت الأسباب الحقيقية والدوافع والأطراف المحلية والإقليمية المنغمسة في تفجر الوضع الأمني داخل القضاء فإنها تهدد اخر معقل للوحدة الوطنية العراقية معقل التحالف الكوردي الشيعي (مع التحفظ الشديد لاستعمال المصطلحات الطائفية) اذ يقف الطرفان في المدينة وجها لوجه بدلا من الوقوف صفا واحدا ضد المخاطر الجدية التي تهدد البلاد.

ان انزلاق الطرفين لمثل هكذا اقتتال داخلي رغم محدوديته وانحصاره في موقع وحيد سيؤدي حتما الى انفراط عقد التحالف الوطني الذي جمعهما لأكثر من نصف قرن سواء في مواجهة النظام الدكتاتوري او في إدارة البلاد وإرساء أسس المشروع الديموقراطي وسيكون بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على البقية الباقية من الدولة العراقية.

قبل اقل من شهر ومن على صفحات ايلاف الغراء قلت في مقالتي ( كوردستان والتقسيم الودي للعراق) ان الاستفزازات المتكررة على خطوط التماس في المناطق المتنازع عليها لا تبشر بخير ومن الممكن ان يتسبب حادث عرضي في تفجير ازمة كبيرة وحرب ضروس يغذيها البعض هنا وهناك وإنها للأسف الشديد ستؤدي للحرب الاهلية التي سيدفع كل العراقيين ثمنها.

ما حدث خلال الأيام القليلة الماضية في قضاء دوزخورماتو ( كان مرتبطا بمحافظة كركوك والحقه النظام الدكتاتوري بمحافظة صلاح الدين المستحدثة عام 1976 نكاية بالشعب الكوردي ولتمزيق اوصال كوردستان العراق ) من حوادث شغب وعنف طالت كل مكوناته دليل على هشاشة ما يسمى بالوحدة والهوية الوطنية الجامعة و ما لم تتخذ الحكومة الاتحادية بالتعاون مع حكومة إقليم كوردستان تدابير عاجلة لإيقاف العنف وتعزيز الهدنة المؤقتة الهشة فان لهيب الاحداث سرعان ما سينتقل الى كل المناطق الكوردستانية المسماة بالمناطق المتنازع عليها دون ان تقدم الحكومة الاتحادية طيلة العقد الماضي على أي خطوة جادة لتطبيق المادة ( 140) الدستورية التي تمثل الحل الأكثر واقعية لحسم موضوع هذه المناطق والتي بدورها تشكل قنبلة مؤقتة قابلة للتفجير في أي لحظة ومن قبل أي طرف خاصة مع انعدام روح المواطنة والشعور بالمسؤولية الوطنية نتيجة التصعيد الطائفي والعرقي والديني وحتى القبلي والعشائري والابوي.

السؤال الذي يفرض نفسه كيف حدث وتطور هذا العنف مع ان مكونات المدينة عاشت لقرون بسلام مع بعضها البعض دون اقل مشكلة عنصرية او طائفية ومن المستفيد من وراء ذلك؟ وهل أصبحت دماء العراقيين رخيصة الى هذا الحد حتى عند السلطة الاتحادية غير المهتمة بالتدخل الفوري لنزع فتيل الازمة وتحجيمها وعدم السماح لأي طرف بالتجاوز على حقوق الأطراف الأخرى وهل من المفروض ان تتدخل قوات غير نظامية لفرض امر واقع غير مقبول من قبل الأكثرية وفي غياب شبه تام للدولة وقواتها النظامية حقا اين هي الدولة؟ وإذا كان&من غير المقبول وفي هذا الظرف بالذات حيث هناك اتفاق هش وهدنة تصارع من اجل البقاء صب المزيد من الزيت على النار فانه من الضروري القول ان الحكومة الاتحادية تتحمل مسؤولية النتائج الكارثية التي افرزتها احداث العنف في دوزخورماتو بسبب تعمدها وتجاهلها تطبيق المادة ( 140 ) من الدستور التي تقضي بإجراء التطبيع ومن ثم الإحصاء فالاستفتاء بالإضافة الى عدم التدخل الفوري لضبط الامن واتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتسببين في اندلاع اعمال الشغب والعنف.

امام السلطة الاتحادية والكتل السياسية المؤثرة في البرلمان فيما اذا كانت صادقة فيما تقوله عن الهوية الوطنية والوحدة الاختيارية طريق واحد لا غير هو الالتزام بالدستور نصا وروحا وتطبيق المادة ( 140 ) وبالرجوع الى تأريخ المناطق المسماة بالمتنازع عليها قبل قيام النظام الدكتاتوري بتشويهها و اذا كان ثمن الوحدة القسرية العراقية هو دماء العراقيين عربا وكوردا وتركمانا مسيحيين ومسلمين طوائف واديان فالأفضل للجميع وحقنا للدماء البريئة الزكية هو التقسيم الودي تحت اشراف دولي واقليمي يعطي لكل ذي حق حقه و يمنع حدوث مجازر جديدة لحماية هذه الوحدة القسرية دون جدوى.