&الإرهاب والفساد والمحاصصة الطائفية والأثنية. ثلاثة شياطين تشترك في زوايا صار بالإمكان قياسها سياسيا. مثلث ترتكز أضلاعه على بعض بقوّة ومتانة. التغذية مشتركة والتواطؤ مشترك وإدامة الأزمات وتوليدها كذلك. المشتركات تكاد أن تكون من ضرورات حفظ وجودها. وحدة وصراع الأضداد تتحوّل الى نكتة مضحكة ومبكية في الوقت نفسه. دورة التاريخ ساخرة وماكرة في العراق.
&عُلية القوم ونخبة المجتمع والصفوة من معارضي الديكتاتور السابق في مشهد تعرّي فاضح لا مثيل له. نصحو كلّ يوم على قضية فساد كبرى، ثمّ ننام على وقع التفجيرات لنصحو ثانية على قضية فساد أكبر ثمّ لا شيء... لا شيء. لماذا؟.
&الصفقات وراء الكواليس والمحاصصة كفيلة بترتيب الأوضاع. السياقات الدستورية التي وضعها البشر هي أهم من البشر عندنا. ما بين كتابنا وكتابكم علنا وفاسدنا وفاسدكم سرا، تضيع الملفّات ليبقى الوضع على ما هو عليه. الإستعراض مفتوح أمامكم والدعوة عامّة للجميع على نفقة المنطقة الخضراء ويمكنكم اصطحاب الأطفال، فالجميع معنيون بما يدور على خشبة المسرح. وصولكم متأخرين لا يهمّ، فالفصول ستعيد نفسها والخاتمة لم تكتب بعد.
الاقنعة تتساقط بمرور الايام التي باتت بلا أسماء. هي مجرد صباحات من دخان ورماد هجرتها العصافير منذ زمن. ذكرى غابرة عن صوت فيروز و"طلعت يا محلا نورها". الحاضر هو كابوس مزدوج ليلا ونهارا. للذاكرة سكاكين تذبح المستقبل من الوريد الى الوريد. الماضي وحده يطلّ علينا بأبشع ما فيه من صور ورموز وتأويلات. يجثم فوق صدورنا ثقيلا ليزيح من كلّ طرقات المدينة أيّ معنى للأمل. يمزّق الهويات ويزرع اليأس في الحقول. ثلاثة أزمنة في خصام تاريخي لا ينتهي. هل ثمّة مخرج من هذه المتاهة؟. أهي عبث المقادير أم أنّ الأقدار تدور دورتها ولكلّ مجتهد نصيب؟.
غلمان إبليس نزلوا على أرض العراق ولبسوا ثياب الضحايا. التصفيق والتهليل كان بإنتظارهم كالعادة. ثقافة "بالروح ..بالدمّ" جاهزة على الألسن والحناجر في كلّ الفصول والمواسم. من الصعب التفريق بين الشعراء وبين الذين بلا مشاعر. بين الأدب وقلّة الأدب. بين الساسّة والسماسرة. بين القرصان والمنقذ. بين الحاكم والعارف. بين السارق والمسروق. بين الدين ورجل الدين. وبين الحكيم والدجّال. ما أصعب التمييز في زمن التحوّلات.
داعش وحزب البعث ودعاة القومية والطائفة ينحدرون من سلالات الماضي الذي لا يعتقنا. التحرّر منهم له ثمن باهظ نتردّد جميعا في دفعه. ماكنة سياسية تضخّ الماضي في الحاضر بإستمرار وتعيد إنتاجه ليذبح الحاضر والمستقبل معا كقرابين على مذبح الماضي. هل يبدأ الإصلاح من معبد السياسة نفسها؟. وهل الإصلاح السياسي أولا وقبل كلّ شيء؟. أم أنّه قد يبدأ بماذا نعني بالإصلاح؟.
الإصلاح الخائف والذي يخشى الرموز المتنفذة ويراوغها ويجاملها ويستثنيها ليس إصلاحا. والإصلاح الذي لا يمسّ الأسس العميقة للفساد والمحاصصة المنتجة للإرهاب هو إصلاح تائه وبلا بوصلة وبلا منهج واضح وقاعدة متينة. والإصلاح المتردّد لا يستطيع أن يجتاح القوى غير القابلة للإصلاح وإزاحتها نهائيا من الساحة السياسية وإحالة قياداتها الى قضاء عادل. الإصلاح يحتاج الى مصلحين.
المقامرون كثر والرهان من أصعب ما يكون في اللحظة السياسية الراهنة. قد تنقلب اللعبة على لاعبيها المحليين جميعا وتنتهي بالتقسيم. غير أنّ التقسيم هو بداية وليست نهاية لنزاعات مجهرية سوف تنشأ بين ملوك الطوائف وزعماء العشائر وقادة المليشيات الوارثة للدولة المنهارة وهي تتقاتل في ما بينها حول الخيم والمرابض وآبار النفط.&

باريس
&