التصريح الأكثر غرابة حول سحب البرلمان "تفويضا" منحه للعبادي، أنه تفويض بالصلاحيات الممنوحة دستورياً، ورفعه يوافق الدستور.
منبع الغرابة؛ إذا كان الدستور اتاح تلك الصلاحيات، ما الحاجة لمنحها من قبل مجلس النواب، ثم سلبها. فأي شرعية هذه التي تحتاج الى "تصويت نيابي"، والى الاستعراض والردح الاعلامي الذي شهدناه خلال شهرين، وهي بالأساس موجودة في التشريع المنظم للحياة السياسية والصلاحيات؟!. رغم ذلك، قائلها صادق ودقيق في التعبير عن واقع الحال. هو يصوّر سحنة العملية السياسية التي تتداخل فيها المفاهيم والتصورات والصلاحيات...
منذ الانتخابات النيابية الثانية في 2010، ترتسم ملامح وجه مشوّشة، راسموها تعمدوا ذلك ليبقى مبرراً تجميلها متاحاً. ومع كل تجميل تزيد الامور تشويشا وتعقيداً، لدرجة أننا ربما سنطالب يوماً بإعادة المشهد لما كان عليه قبل ذلك التاريخ، فنهرب من تشوّه الى آخر أقل. لكن الكثير من عناصر الصراع واسبابها ظلت واضحة حتى 2014. أخذت الملامح وضعاً جديداً معقداً ومتناشزاً منذ تغيير السياسات الحكومية الداخلية من متصلبة الى مرنة، ولهذه المهمة أتي بشخص لا تبدو عليه صفات الاستبداد التي وجدت عند سلفه. الا أن الأمور تجاوزت حد المرونة اللازمة، واستحالت الى حالة ترهل في السياسات والقرارات، لدرجة أن أكثر ما يصدر عن الحكومة غير منظم، مرتجل، ومهزوز. وانتقل الوضع لاحقاً الى صراع بلا "ملامح".
ففي الدورات الماضية، كانت الخلافات والنزاعات معروفة الاتجاهات والمضامين. صراع مع الكرد لأكثر من سبب، بعضه بفعل غياب الصلاحيات الواضحة، وبعضه بسبب النزعة المالكية لصناعة أزمات تضمن استمراره في الحكم، وبعضها ينبع من عدم ارتياح كردي لأي قوة في المركز... صراع مع الاطراف الشيعية ينتمي لتنازع النفوذ بين ثلاث قوى تقليدية. وصراع مع السنة بفعل الطائفية والنزاع المذهبي الاقليمي. مخاوف من انفراد شخص بالحكم، وأيضا سباق الفساد داخل منظومة النهب بين اطراف مساهمة بدرجات متفاوتة فيه.
بينما لو سألنا عن المرحلة الحالية؛ ما هو سبب الخلاف بين القوى السياسية والعبادي؟، لن يأتي الجواب بذات الوضوح فيما لو سألنا على ماذا كان مع المالكي... الاصلاحات التي قام بها ليست سبباً كافياً، فربما تغضب نواب رئيس الجمهورية المعزولين، الا أنها لا تمس الحلفاء الرئيسيين، لأنها مجرد اجراءات صغيرة لم تمس نفوذها. وهو ليس عدم الوفاء بالتزاماته تجاهمم، المقدار الممكن وفى به، اعطى للكرد اتفاقا لصالحهم، وبات المجلس الأعلى القوة الرئيسية في جسد الحكومة. التيار الصدري لم يواجه أي مشكلة من قبل العبادي، عدا قضية بهاء الاعرجي، وهي كانت ضربة سمح بها زعيم التيار نفسه. وأيضاً، أعطي "تفويضا" نيابياً، ثم سحب... والتفويض ليس معروف الحدود والصلاحية، وسحبه كان سحباً لشيء مبهم. مدحته التظاهرات ثم شتمته، لم يقمعها، لكنه أفرغها من مضامينها. كافح امتيازات الكبار، فذهبت التداعيات على الموظفين العاديين. يقال انه سيطاح به، لكنه يبدو باقياً. يضم خلفه قيادات الدعوة، غير أنهم لا يدعموه بقوة في حربه ضد خصمه "السلف". فأي ملامح هذه؟!
المشهد عند العبادي ملتبس جدا، وصورته كذلك مشوشة عند الناس والمراقبين، والمواقف المناهضة له كذلك، مبهمة، غير واضحة.. تارة يتحدثون عن سحب الثقة، وأخرى يذهبون لسحب التفويض، وثالثة للتوليح، حتى التلويح جدلي؛ قيل إنه سحب تفويض، ثم سحب ثقة، ثم عادوا وقالوا إنه اعادة تقييم للمشهد... الامر مرتبط بشكل كبير به هو، او بالاحرى باللحظة التي أتت به، تريده كذلك، وتريد الصراع معه بهذا الشكل، كبديل عن صراحة المواقف والسياسات والمشهد في زمن سلفه. على الرغم من ان وضوح المالكي في دورته الثانية، صراحة في الصراع، وليس شفافية في منهجية الحكم وبناء الدولة.
لذلك، من المرجح في هذه المرحلة، يراد للعراق أن يصبح مع روسيا ومع امريكا، مع ايران ومع تركيا، مع التغيير في سوريا ومع النظام، مع انتشار السلاح في مكافحة داعش ومع اعادة هيبة الجيش... مع مكافحة الفساد ومع الابقاء على "مراكز القوى" التي تتيح الفساد. مع العمل المؤسساتي ومع الابقاء على مناصب عديدة بالوكالة... وجه بكل الملامح، بكل التناقضات، كي لا يفهم أحد ماذا يجري وعلى أي طريق تسير الامور.
العراق "الجديد" لم يعد جديداً، مع لاملامح مرحلة العبادي، هو ما بعد "جديد". هي ليست لعبة رئيس الحكومة، بقدر ما هي وجه يتحكم بالتباسه كل القائمين على تجميله
&