&يمكن توصيف الوضع السياسي العراقي بانه في اسوء حالاته، بل لم تمر البلاد بمثل هكذا حقبة، لاسيما بعد الأوضاع الامنية الخطيرة وسيطرة داعش على مدن الغربية، والتظاهرات الشعبية الغاضبة من العملية السياسية برمتها.&
وليس حال الأكراد اليوم أفضل من باقي مكونات الطيف العراقي، فهم يمرون بحالة الانقسام، والصراع الذي وصل الى المواجهة والتصادم المباشر مع حكومة الاقليم، فضلاً عن تصاعد حظوظ الأحزاب الاسلامية الكردية، جعل منها لاعب وشريك أساسي في اللعبة السياسية الجديدة في الإقليم، ما ينذر بسقوط مروع للقادة الكرد التقليديين امام المطالب الشعبية الكردية التي تدعو للتغيير ورفض التمسك بالسلطة.&
السُنّة العرب هم أيضاً ليسوا باحسن حالاتهم، فلا ارض ولا قيادات واضحة تمثل الحالة السُنيّة، ولا مرجعية دينية موحدة قادرة على توجيه الرأي العالم السُنيّ عموماً، فيما تعيش أحزابها صراعات داخلية أدت الى تشتت كوادرها تحت عناوين ومسميات شتى.&
أما الوضع الشيعي فما زال مربكاً، صراع على رئاسة التحالف الشيعي وخلافات حول اصلاحات العبادي وانشقاقات داخل الدعوة، وكل جبهة تحاول اضعاف الاخرى، فيما تقف المرجعية الشيعية العليا مع الجماهير الغاضبة، وتحاول بشتى الوسائل حماية العبادي والحد من النفوذ الايراني.
ان حالة المخاض التي تمر بها العملية السياسية والتي يصفها الساسة العراقيون بـ (الخطيرة)، ربما يُمكن ان تلد لنا جيلاً جديداً من النخبة السياسية قد تكون قادرة على النهوض بالعمل السياسي، وسط اعتقاد ان هذه النخبة الجديدة ستخرج من رحم الصراع والاقتتال الداخلي بين المكونات السياسية.
لكن دعاة الاعتدال السياسي، يرون ان ولادة وضع سياسي جديد، كما يراه المشاركون في حكومة العبادي، تعني ان الجيل الثالث من عراقيي اميركا هم من سيتصدرون المشهد السياسي الجديد، ويقولون ان اعتماد هذه المقاربة لن تحل الأزمة العراقية التي تتفاقم يومياً، كونها لن تتخلى عن مبدأ المحاصصة وكل المصائب التي جاء بها بول بريمر والاحتلال الاميركي.
ومع تعيين المهندس الاميركي من اصل عراقي بمنصب الامين العام لرئاسة الوزراء، تزداد مخاوف دعاة الاعتدال السياسي العراقي، من ان تحاول ادارة اوباما تجاوز فشلها الذريع في التعاطي مع الأزمة العراقية، التي أدت الى انهيار القوات الامنية امام تنظيم داعش وضياع اكثر من ثلث مساحة العراق.&
وعماد الخرسان، مهندس عراقي يحمل الجنسية الأميركية وكان من ضمن طاقم المستشارين الذي عمل مع بول بريمر عام 2003. ويأتي قرار تعيينه في منصب رسمي رفيع بعد اسابيع على ما تداولته وسائل اعلام عربية وعراقية عن مساعي اميركية لاستبدال العبادي بالخرسان مقابل تسهيلات وانفتاح سعودي وخليجي على العراق، على ان يتم هذا بدعم من مرجعية النجف. يشار الى ان عماد الخرسان هو ابن شقيق اية الله مهدي الخرسان احد مراجع النجف، ومن رجال الطبقة الثانية في مرجعية النجف.&
ان دعاة الاعتدال العراقي، وهم من السُنّة والشيعة، لايجدون مخرجاً للعراق من ازماته، في ظل استفحال الصراع الطائفي والاثني، إلا ببروز تيار سياسي عراقي معتدل. تيار مدني حداثي يقدم وصفة للنجاح الاقتصادي وتجاوز الادارات الفاشلة. ويبررون ذلك بان " الجميع يحرص على ان يتم دحر داعش لمصلحته. التشدد الشيعي يرفض ان يقوم ابناء السُنّة بتحرير مناطقهم كونهم ينوون، على أقل تقدير، السيطرة على هذه المدن والمناطق، وايضاً لعدم ثقتهم بالسُنّة. والسُنّة ايضاً لايثقون بالشيعة، وكذلك الحال بالنسبة للاكراد".&
وتأمل قوى الاعتدال العراقي ان يؤدي الحراك الشعبي في كردستان الى بروز تيار كردي مساند للتيار العراقي المعتدل، يرى خلاصه من خلال البوابة العراقية، وليس من خلال بوابات التشدد السُنيّ أو الشيعي.
وبالرغم من ان تيار الاعتدال العراقي، لايوجد له تمثيل حقيقي على الارض، الا ان دعاته يقولون أن لاحل للمعضلة العراقية، الا من خلال تيار عراقي – عراقي يستوعب الجميع، ويلتقي مع الحراك الشعبي في بغداد والمحافظات، كي يتمكن من انتشال العراق من أزماته. ودعاة الاعتدال يرون ان الوقت قد حان لبروز هذا التيار، لان القوى (المخادعة طائفياً)، قوى الاسلام السياسي، لم تعد مقبولة في اوساطها التقليدية، بعد أن جلبت المآسي للعراق والعراقيين.&
ويؤمن دعاة الاعتدال انهم لن يتمكنوا من التواجد في الساحة العراقية، إلا بمساعدة عربية صادقة، تعمل على توحيد قوى الاعتدال العراقي، وأن تسمح لعراقيي الشتات في اراضيها وهم النخبة من المثقفين والاكاديميين ورموز الطبقة الوسطى العراقية بان يلعبوا دوراً ناشطاً في الاعداد لبروز (الرقم الرابع) في المعادلة العراقية، ليتمكن هذا التيار من انتهاز الفرصة التاريخية وصولاً الى تشكيل الكتلة السياسية التاريخية التي قد تقلب معادلة الطائفيين عام 2018.
واذا ما تحقق مثل هذا الدعم العربي لتيار الاعتدال قريباً، ليكون تياراً ضاغطاً تسانده قوى الحراك الشعبي المدني، فانه سيسعى لان يؤسس مع رئيس الوزراء حيدر العبادي جبهة وطنية للاصلاح برئاسة العبادي، بعد ان يغريه بالخروج من (لبوس) الدعوة الى (العباءة) العراقية، من منطلق ان مسؤولية قوى الاعتدال العراقي تحصين العبادي وليس تعجيزه.
وهنا يرى دعاة الاعتدال ان مساعدة دول الاقليم لها، بالتزامن مع فهم دولي (اميركي – اوربي) سيساعدها على تصدر المشهد السياسي، لاسيما وانهم ومعهم غالبية عراقية صامتة ترى ان الاحتلال الاميركي للعراق هو من هيأ اجواء الفشل وبروز التشدد الاسلامي، وجعل من المنطقة ساحة للصراعات الدولية، مشيرين الى ان الصراع الروسي الاميركي في الحرب على داعش، سيسهم بتصعيد الصراع الطائفي في المنطقة، لاسيما بين تركيا والسعودية، والمستفيد هو ايران والتشدد الشيعي، وهو ما يجعل قوى الاعتدال العربي على كف عفريت.
* كاتبة عراقية
التعليقات