المؤشرات الايجابية التي تم رصدها من طرف المراقبين والمتابعين لمجريات وفعاليات مؤتمر المعارضة السورية بالرياض ، والتي كشفت عن روح التفاؤل والتوافق التي عمت جميع المجموعات والتنظيمات المشاركة في مداولات اليوم الأول من المؤتمر ، تعتبر انجازا كبيرا ، وتشير إلى إمكانية لبناء توافقات جديدة في موقف المعارضة السورية ، وما قد يتمخض عنه المؤتمر من تشكيل وفد موحد للمفاوضات المحتملة التي ستجري في يناير القادم مع النظام السوري برعاية دولية.
جاءت مختلف الفصائل إلى الرياض ، بعد أن بدا للجميع أن المملكة العربية السعودية أصبحت ، تقريبا ، الدولة شبه الوحيدة التي تطالب برحيل الأسد في أي مستقبل سياسي في سورية ، وهو موقف اعلنته المملكة في جميع المحافل الدولية ، وصدعت به في مواجهة القوى الدولية الكبرى كروسيا وغيرها.
هذا الموقف المبدئي للمملكة والذي تدعمه وتؤيده حيثيات كثيرة تجعلها أكثر تمسكا برحيل الأسد ، هو الذي حفز مختلف الوفود المشاركة في مؤتمر الرياض للمعارضة السورية كي تكون أكثر انفتاحا وايجابية ، ولكي تتوافق على موقف واحد &بعد تقريب وجهات النظر فيما بينها .&
ما رشح من مداولات اليوم الأول ، والذي كشف عن قبول حركة أحرار الشام (وهي فصيل عسكري كبير له وجود على الأرض) بمبدأ الديمقراطية والدولة المدنية يعتبر انجازا غير مسبوق في نجاح هذا المؤتمر ـ على الأقل حتى الآن ــ وهو بطبيعة الحال ثمرة للأجواء الايجابية والتوافقية التي عمت الجميع.
بطبيعة الحال ، سيكون اليوم الثاني والأخير من مؤتمر الرياض يوما شاقا وموعودا بالكثير من المفاجآت ــ كما نتوقع ــ في التسويات وتقارب وجهات النظر حيال اختيار الوفد المفاوض والمنتخب من جميع أعضاء المؤتمر. كما أن النقاشات التي سوف تطرح في اليوم الأخير ستعكس حجم الجهود المبذولة في مداولات مؤتمر الرياض كفرصة مهمة ودافعة إلى طموح جديد لإعلاء سقف المطالب التي طالما خرج الشعب السوري من أجلها ، فواجه القتل والتشريد والسجون .&
يأتي مؤتمر الرياض ، بعد أن بلغ الشعب السوري قمة المعاناة التي تستحق من المؤتمرين في الرياض التعالي إلى تحدياتها ، وبعد أن تم تدمير سورية على يد النظام على نحو خطير ، حتى أصبح يشكل خطرا كبيرا على المنطقة والعالم .&
في سياق هذه التحديات المختلفة ، تأتي هذه الفرصة الجديدة للمعارضة السورية بكافة أطيافها التي توافقت للحضور إلى الرياض لتمنح المؤتمرين امكانية التوافق وإعادة بناء الثقة بين الفصائل المختلفة ، بعد أن أصبحت تحديات الوضع السوري على هذا النحو من الخطورة .&
في كل المفاوضات التي تمت مؤخرا بين القوى الدولية والإقليمية ، كمفاوضات فيينا كان الغائب الأكبر هو المعارضة السورية ، نتيجة لغياب الأجندة الموحدة التي تتفق على الحد الأدنى من المتطلبات الوطنية المشتركة . ومن أبرز هذه المتطلبات &رحيل هذا النظام ألأسدي ، بعد أن جرت مياه كثيرة استطاع هذا النظام من خلالها الإيعاز لحلفائه الدوليين والإقليميين ، مثل روسيا وإيران بترويج قناعة مفادها &: الحرب على الإرهاب أولا ، وهي للأسف قناعة أصبحت تجد لها توافقات دولية ، لاسيما بعد هجمات باريس الإرهابية ، والتي خرج بعدها قادة فرنسا وسياسيوها لتأكيد ما ذهبت إليه كل من روسيا والنظام وإيران حيال أولوية محاربة الإرهاب قبل أي شيء ، بل وكذلك إمكانية إدراج جيش النظام ضمن القوى المحاربة للإرهاب ، كما لمح إلى ذلك وزير الخارجية الفرنسي رولان فابيوس.&
وإزاء مثل هذه التقلبات الدولية في الموقف الجاد والجذري من نظام الأسد بوصفه السبب الأول في الإرهاب الداعشي ، والمسؤول الأول في وصول الأوضاع في سورية إلى هذه المأساة ؛ كان لابد للمملكة العربية السعودية أن تقف على خط الثبات ووضوح الرؤية في التمسك بمبدأ رحيل الأسد كشرط أولي وضروي لأي تسوية سياسية للأزمة السورية .&
ومن أجل تعويم مثل هذا المبدأ وترجمته كموقف موحد للمعارضة السورية يسمح لها بتشكيل وفدها للمفاوضات القادمة في يناير المقبل بنيويورك ؛ أرادت المملكة العربية السعودية الوصول إلى ذلك الانجاز كثمرة لهذا المؤتمر الذي تستضيفه الرياض .
نتمنى أن تنتهي مداولات اليوم الأخير لمؤتمر الرياض إلى أجندة موحدة ووفد واحد ومعبرعن جميع الفصائل التي اجتمعت في الرياض ، لتمثيلها في مؤتمر نيويورك في يناير القادم . فوجود وفد موحد للمعارضة السورية بمجمل أطيافها سيكون حافزا قويا لتسجيل اختراقات مهمة في أي مفاوضات قادمة ، لاسيما وأن مؤتمر الرياض هذه المرة جمع العديد من الفصائل السياسية والعسكرية التي لها وجود حقيقي ووازن على الأرض . فهذا المؤتمر هو بمثابة طموح جديد للمعارضة السورية من اجل تحقيق مكاسب حقيقية في أي مفاوضات قادمة . &&
&