العام الحالي الذي يوشك على الرحيل عنا بعد عدة أيام، يعتبر من الأعوام القاسيىة جدآ على الشعب الكردي. ولكن رغم تلك القساوة، التي حلت بهذا الشعب الأبي، الذي وصفه ذات يوم من أيام عام 1964 شاعر الرافدين الأول محمد مهدي الجواهري في قصيدته الرائعة " قلبي لكردستان": شعبٌ دعائمه الجماجمُ والدمُ.. تتحطم الدنيا، ولا يتحطّمُ

وصدق الجواهري الكبير نصير هذا الشعب المظلوم، الذي تعرض لحملة بربرية من قبل الجماعات الإرهابية والتكفيرية، ورغم كل عمليات القتل والإبادة الجماعية بحق أبنائه وخاصة الكرد الأزدائيين (الإيزيدين)، إلا أنه لم يتحطم، بل صمد صمودآ بطوليآ قل نظيره في التاريخ البشري. ولم يكتفي بالصمود فقط، وإنما حول مأساته إلى نصر ودحر الإرهابين من أراضيه، وخيب أمال رعاتهم الأتراك والنظام السوري المستبد.&

يمكن تقسيم العام الجاري إلى ناحتين، ناحية الألام والجراح التي هبت على الشعب الكردي من كل الجهات وفي عموم كردستان. والناحية الثانية هي جبهة الإنتصارات والإنجازات التي حققها الشعب الكردي في جميع أجزاء كردستان. فعلى جبهة المأسي والألام إستمر النظام الفارسي البغيض في سياساته الإجرامية ضد الشعب الكردي، في شرق كردستان، ولم يتوقف يومآ عن نصب أعواد المشانق للشباب الكردي، والتعامل بمنتهى الوحشية مع التحركات الكردية، المطالبة بالحقوق القومية والدستورية والسياسية لهذا الشعب.&

وفي جنوب كردستان حيث يتمتع الكرد منذ أعوام بالفدرالية ويحكمون أنفسهم بأنفسهم إلا أنه تبين بأن الذي يحكمهم عائلة مستبدة وفاسدة، ولا تقل بأسآ وشرآ من عائلة الأسد في سوريا، وإسم هذه العائلة للتذكير فقط عائلة البرزاني، التي تسببت بمأساة الكرد الأزدائيين (الإيزيدين)، وإحتلال شنكال من قبل تنظيم داعش التكفيري. وليس هذا فحسب وإنما تسبب البرزاني الإبن في أزمة سياسية وإقتصادية تكاد تخنق الإقليم وسكانه، والوضع مأساوي بكل معنى الكلمة وعلى حافة الإنفجار في أي لحظة.&

أما عن حالة البطالة والفقر التي يعيشها سكان الإقليم، جراء الحصار المالي المفروض من قبل المركز وعمليات النهب والسلب المنظم من قبل الزمرة الحاكمة في هولير، حدث ولا حرج. ولا يخفى على أحد تقاعس الحكومة المحلية عن دفع رواتب الموظفين المدنيين والعسكرين منذ عدة شهور متتالية. ونتيجة لهذه الظروف الصعبة يشهد الإقليم حالة من الهجرة المخيفة، وخاصة من فئة الشباب، الذين يخاطرون بحياتهم ويعبرون البحر والحدود الدولية للكثير من الدول للوصول إلى دول أوروبا الغربية>

أما في غرب كردستان، شنت التنظيمات الإرهابية داعش والنصرة وأحرار الشام ولواء التوحيد وجيش الفتح المدعومين من تركيا وقطر، حرب إبادة مبرمجة ضد الكرد في أماكن تواجده، ونكلوا بهم وطردوهم من ديارهم حيث إستطاعوا، وفرضوا الحصار عليهم حيث فشلوا كما هو الحال مع مقاطعة عفرين وحيي الأشرفية والشيخ مقصود في حلب. وما حدث في كوباني الباسلة من معارك ضارية بين التنظيمات الإرهابية وقوات الحماية الشعبية، غنيٌ عن التعريف. والمعارك مازالت مستمرة بين الشعب الكردي ومرتزقة داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام إلى اليوم، ولن تنتهي إلا بانتصار أحد الأطراف في هذه المعركة القاسية. فالبنسبة للكرد فهي معركة وجود ولا خيار أمامهم سوى الصمود والمقاومة، إن أرادوا أن يحيوا ويبقون في أرضهم.

أما في شمال كردستان، هدأ صوت البنادق لبعض الوقت، وقبل الكرد بالمضي في الحوار السياسي مع الدولة التركية، إلا أن حكومة أروغان لم تكن صادقة في توجهها السلمي أبدآ، وبدليل مجرد أن نجاح الكرد في إنتخابات حزيران الماضي ودخولهم للبرلمان، جن جنون الأتراك وشن الإرهابي اردوغان حرب إجرامية على الشعب الكردي في كل مكان، لخلط الأوراق والفوز بالإنتخابات في الجولة الجديدة، والتنصل من إستحقاقات السلام وحل القضية حلآ عادلآ وبالطرق السلمية. ولهذا فهو مستمر في حربه الإجرامية، على مدن شمال كردستان عبر القصف بالدبابات والطيران الحربي، على مدى عدة أسابيع متوالية، ويوميآ يسقط العشرات من، جراء هذا العدوان البربري.&

وفي المقابل، حقق الشعب الكردي بعض الإنتصارات المهمة للغاية، وفي مقدمتهم إنشاء إدارة كردية في غرب كردستان، وقيامهم بتكوين قوة ذاتية خاصة بهم للدفاع عنهم وعن أراضي إقليم غرب كردستان، وإلى الأن تم تحرير حوالي 85% من أراضي هذا الجزء من كردستان، ولم يبقى سوى تحرير مدينة جرابلس واعزاز ومارع ومنبج، لتوحيد تراب الإقليم بشكل نهائي، وقطع الحبل السري بين تركيا والتنظيمات الإرهابية بكافة أشكالها ومسمياتها. ويجب على الكرد الحفاظ على أراضيهم المحررة وإستكمال تحرير ما تبقى من أراضي ومدن، وتقوية الجبهة الداخلية، وتعزيز مقومات الصمود وعدم الهجرة للخارج، وترك كردستان للأعداء.

وفي جنوب كردستان، إستطاع الشعب الكردي من إستعادة كافة الأراضي المستقطعة من الإقليم تقريبآ، وخاصة مدينة كركوك، وشنكال وشيخان، وبقيت ضواحي مدينة الموصل فقط بيد داعش. وهذه هي المرة الإولى في تاريخ الكرد الحديث، يستطيعون أن يسبطوا سيادتهم على كافة أراضيهم ويديرونها بأنفسهم، وهذا إنجاز مهم للغاية، وبل تاريخي في نظري، ويجب الحافظ عليه بكافة الوسائل، ومهما كلف من جهد ودماء.

وفي شمال كردستان الجزء الأكبر من كردستان ومركزها، أنجز الشعب الكردي نصرآ سياسيآ باهرآ، بحصولهم على ثمانين مقعدآ من مقاعد البرلمان التركي للمرة الإولى، ومن ثم إعلانه إنشاء الإدارة الذاتية الخاصة به. ورغم كل ما يشهده الساحة الكردية هناك من عدوان وظلم، إلا أنني واثق بأن الكرد قاب قوسين أو أدنى من نيل حقوقهم القومية والسياسية والدستورية، وما أنجزه الكرد في غرب كردستان يصب بشكل مباشر في مصلحتهم ويمنحهم مزيدآ من الأمل والقوة، وهم في النهاية شعب واحد ومصيرهم مشترك.

لا شك في العام الجديد يتنظر الشعب الكردي تحديات كبرى، لأن الأخطار مازالت تحيط به من كل صوب، وخاصة في ظل الأوضاع الملتهبة التي تشهدها المنطقة منذ خمسة سنوات عجاف. والأن مطلوب من جميع القوى الكردستانية الحفاظ على تلك الإنجازات والمكتسبات التي تحققت بدماء الشهداء من بيششمركة وغريلا، وعلى القادة تجاوز خلافاتهم السياسية والحساسيات الشخصية، والإتفاق على الحدود الدنيا للعمل الكردي المشترك، في سبيل تحقيق المزيد من الإنجازات، من ضمنها الوصول لصيغة الفدرالية في كل من سوريا وتركيا، إذا أحسن الكرد إستغلال الإمكانيات والظروف المتاحة أمامهم، ووضعوا أيديهم بأيادي البعض. لكن لدي شكوك في حسن نية حزب البرزاني، الذي يعمل كصبي صغير لدى الباب العالي، وحزب العمال الكردستاني الذي يريد أي يسير كل الكرد، وفق منطقه الأعوج المخالف لحكم التاريخ والعقل. وكون هذين الحزبين هما أكبر قوتين سياسيتين في كردستان، وهما على نقيض تام، فمن الصعب جمعهما في فريق واحد يعمل لصالح الكرد. ومن هنا أرى أن العمل الكردي المشترك، سيظل يعاني من التفرقة والتشتت، بسبب إختلاف المصالح السياسية والإقتصادية والعلاقات الإقليمية لكلا الطرفين. كل عام وأنتم بخير.

&