تتخفى الدول العربية تحت غلالة شفافة معتقدة أنها بذلك ’تخفي عوراتها في تحفظاتها على الإتفاقية الدولية التي تدعو إلى إلغاء التمييز بين الجنسين.. والمعروفة بسيداو.
إحدى هذه العورات هو تحفظها على الفقرة (ز) من المادة الثانية... التي تنص على "إلغاء جميع الأحكام الجزائية التي ’تشكّل تمييزا ضد المرأة ".. وهي المادة التي ’تشكل أحد أكبر الإنتهاكات للمرأة كإنسان من حقه أن ينتفض لكرامته تحت ثورة غضب أو يأس مثل أي رجل.. ولكن المشرّع مرة أخرى ينظر لها كإحدى قرابينه السهله الممكن التخلص منها بدون أي وجع لضميره بينما يبقى ضميره مرتاحا حين يحمي جريمة الرجل.
سبب التحفظ على هذه الفقرة بالتحديد من سيدوا لمنع هذا التمييز.... أن قوانين الدول العربية العقابية.. تاخذ بالعذر المخفف لقاتل زوجته أو لإحدى محارمه.. وتحت عنوان حماية شرفه الذي يحمله جسد المرأة فقط.. يتحرر من العقاب... بينما لا تأخذ المشرع العربي المسلم الرأفة ولا يتحرك ضميره في حال إرتكبت المرأة مثل هذه الجناية.. و’تعاقب بأقصى العقوبة حتى ولو ضبطت أي رجل ينتهك حرمة إبنتها فما بالك حين يكون هذا الرجل الأب.. الزوج ؟&
المشرّع العربي بشكل عام يعتبر ان المرأة لاشرف لها وان شرفها امر يخص الرجل. أما ماذا يحدث لهذا الرجل حين يغتصب إبنته.. فتحت مقولة لا ’يؤخذ الوالد بولدة.. وربطها بموضوع الولاية تعطي الأب والأخ وأي ذكر في العائلة حرية التفرد في قتلها أو إغتصابها أو ماشاء ؟؟؟ رغم علمه التام بتحريم المحارم وإعتباره زنى؟؟؟ وفي كثير من الحالات قد تتستر المرأة على إبنها في حال علمت بمحاولاته إنتهاك حرمة إبنتها لأنه ولدها وحمايته غريزة طبيعيه لن تستطبع المرأة التخلص منها.. أضف إليها الثقافة الذكورية التي ترعرعت في ظلها وتحملها منذ الصغر.. ولكنها لا تستطيع كبح جماح غضبها في حال إغتصاب الأب لإبنته.
لازلت حتى هذه اللحظة أذكر فيلم السيدة إيناس الدغيدي عن هذا الموضوع والتي ضبطت بطلة الفيلم نجلاء فتحي زوجها يعاشر إمرأة في بيتها وعلى فراشها.. فقتلته.. وأصر النائب العام على إنزال أقصى العقوبة لها.. لحق الزوج في المعاشرة الجنسية.. وأيضا لربما أن تكون زوجته الأخرى.. وعليه كانت عقوبتها الإعدام.. مرة أخرى تذكرت هذا الإجحاف وأعاده إلى ذهني فيلما وثائقيا حقيقيا لسجينات في السجون اللبنانية.. إحدى قصص سجيناته كانت إمرأة قتلت زوجها حين ضبطته يغتصب إبنتها.. وحكم عليها بالإعدام؟؟؟ مما حرم أطفالها من كلا الأبوين.. الأب المغتصب والأم الضحية؟؟&
الإزدواجية في النظرة لجرم المرأة.. وأن المرأة لا شرف لها.. تظهر بوضوح.. فبينما يقتلها الأب أو الأخ في حال إخلالها بشرفه لأن هذا الشرف حكرا له.. قد يغتصبها هذا الأب أو الأخ أو أي رجل آخر... و’يعفى كلاهما من الجريمة حتى في حال الإغتصاب من رجل آخر في حال تزوجها؟؟ ويبقى طليقا حتى إذا ما طلقها بعد شهور من هذا الزواج؟؟ ’يعفى من الجريمة بينما زواجها منه يكون بالإكراه.. وهو والمفروض أنه يتنافى مع شروط الزواج؟؟ يأخذ الستر ودرء الفضيحة أولوية عند عائلتها بدون النظر إلى مشاعرها تجاه هذا المغتصب. وبدون النظر إلى عواقب طلاقها؟ وفي الحالتين المرأة هي الضحية.
إن رفض الدول العربية إحقاق حق المساواة في العقوبة الجنائية. ليس إلا تسترا وإبقاء على عدم العدالة.. والترويج لثقافة تلازم الدين والعرف والتقاليد والعادات على أنها أمر مقبول دينيا وإجتماعيا.. حتى وإن كانت تتنافى مع أي عدالة إلهيه!
مقالتي هذه لا تهدف إلى إنقاص العقوبه أو التحلل من جريمة المرأة القاتلة.. ففي كل الأحوال هي جريمة كاملة مع سبق الإصرار.. لكن سؤالي للمشرع الذي ’يصّر على نصف شهادة المرأة وعلى نصف ميراثها.. إذا كان ’مصّرا على التمييز وعلى إنعدام الرحمة وتخدير الضمير.. لماذا لا ’يوقع عليها نصف العقوبة أيضا؟&
التعليقات