&

لايقتصر سبي النساء في العراق على تنظيم داعش الذي باعهن في سوق النخاسة في مدينة الموصل كجاريات، بل أن هناك سبي من نوع آخر ينتشر بين القبائل في جنوب العراق وهو زواج الفصلية. ففي حادثة جديدة قامت إحدى العشائر بدفع دية مكونة من خمسين امرأة فصلية لعشيرة أخرى في مدينة البصرة لوقف نهر الدم بين العشيرتين. يحدث هذا الزواج غالبا ً بين عشيرتين متخاصمتين على إثر جريمة قتل حيث تجبر عشيرة المعتدي على التزويج القسري لفتاة أو أكثر لأ فراد من عشيرة الضحية وذلك لوقف عملية الانتقام بالقتل. أن الهدف من زواج الفصلية هو إحداث نوع من المصاهرة بين عشيرتين متخاصمتين وهو جزء من الأعراف والعادات والتقاليد التي تسري بين القبائل في جنوب ووسط العراق إذ كادت أن تنقرض على إثر الغاء قانون العشائر سنة 1958 لولا عودة العشيرة من جديد وبقوة في كل المجالات السياسية والاجتماعية وغيرها.

لاتعرف الفتاة المتزوجة بغير رضاها من يكون زوجها، لاشكله ولاعمره ولاعمله، تذهب ذليلة ومهيئة نفسيا ً لتحمل عار أن تكون فصلية إذ سيحمل أبنائها هذا العار جيلا ً بعد جيل. تضرب الفصلية وتهان وتشتم لأنها تذكر الموتورين دائما ً بالضحية. لا تزف كباقي النساء وليس لها مهر ولا أي شيء وهذه إهانه بحد ذاتها في تلك البيئة الريفية، وكما يقول المطرب الريفي عبادي العماري وهو ينتقد هذه الظاهرة قبل عقود (جابوها دفع للدار، لاديرم ولاحنة ولاصفكة) أي أحضروها غصبا بلا زفة وبلا زينة كنوع من الإهانة. تعامل المرأة كموضوع وسلعة يمكن أستخدامها في أي وقت لحل المشاكل العشائرية فيزوجهن كما السبايا من دون رضاهن ولا موافقتهن. في الحقيقة ليس غريبا ً على المرأة في تلك البيئة أن تعامل على أنها موضوع وماكنة للإنجاب الأطفال القادرين على العمل في الحقول والمزارع فالمرأة في الريف تعمل بلا أجر ويأخر أحيانا ً والداها زواجها من أجل الإستفادة منها في حلب الأبقار، أو تزويجها على طريقة (كصة بكصة) أي توهب مقابل زوجة لأخيها، أو ينهى عليها (النهوة) فلا تتزوج من تختار إذا عارض أحد من أبناء عمومت،ها ولا تورث الأرض على إعتبار أن أولادها سيكونون ربما من عشيرة ثانية أو بيت آخر. أن ملف النساء في العراق ملف لم يفتح بعد بسبب الظروف التي يمر بها البلد وحقوق المرأة في العراق من القضايا المسكوت عنها بفعل الحرب والتي هي من أولى ضحاياها.

في نفس الوقت، أستنكر السياسيون ورجال الدين وبعض الشخصيات المعروفة من المثقفين هذا الفصل العشائري في الوقت الذي نسوا فيه أنهم وراء هذا البلاء المستشري. فالكثير من سياسينا ومثقفينا يستنكر فعل العشيرة وهو يفكر بطريقة عشائرية قبلية لايختلف فيها عن أبن الريف الذي لم تصله الحضارة بعد. أن ظاهرة العشيرة والقبيلة والعادات والتقاليد عادت بقوة بعد فشل مشروع الدولة في زمن النظام السابق الذي ركز على توطيد العرف العشائري ودعم مجموعة من الشيوخ الذين رشحهم بنفسه، حتى سموا بشيوخ التسعين، أي شيوخ عقد التسعينيات، لكسب الولاءات السياسية. لقد كان العراق في عهد النظام السابق عصريا بالشكل فقط أما حكومته فتدار بطريقة العشيرة ولاننسى بأن الغالبية من الوزراء والسياسيين وحتى صدام حسين نفسه كان يفكر بطريقة عشائرية ليصل الأمر بتصفيه أبن عمه وزوج أبنته حسين كامل عن طريق العشيرة بعيدا ً عن القانون. أما من ورث هذا النظام وورث الفشل في بناء الدولة بترسيخ القانون فاعتمد على العشيرة بشكل كبير في بناء النظام الجديد، في محاربة الإرهاب تارة ً كالصحوات ولدعم النظام السياسي كما في عشائر الإسناد تارة ً أخرى. لقد غاب القانون حتى أن البرلمانيين صاروا يحلون مشاكلهم السياسية من خلال جلسات عشائرية، فلم يتم تغيير رئيس جامعة وهي صرح علمي كبير إلا بتدخل عشائري ولم يتم تغيير رئيس تحرير صحيفة حكومية وهي منبر سياسي وثقافي كبيرة إلا بتدخل عشائري ويكفيك ماحدث أخيرا ً بين سياسيي وسياسية فمن أجل كلمة انبطاح دفعت عشيرة السياسي الى عشيرة السياسية مبلغ كبير اسقط معظمه.&

لايمكن محاربة الظواهر العشائرية من عادات وتقاليد سلبية إلا بالحرص على تعزيز دور القانون وتطبيقه بشكل فاعل على جميع أبناء البلد من كل الطوائف والإنتماءات ضمن مشروع بناء دولة عضرية حديثة. أن أول خطوة في ذلك هو تطبيق السياسيين القانون على أنفسهم ورفض أي مظهر من مظاهر الحلول العشائرية خارج اطار الدولة والقوانين. إلا أن المشكلة أن الكثير من السياسيين هم المستفيد والمنتفع الأول لصعود نجم العشيرة لتحل بدل القانون الذي يجب أن يحترم من قبل الجميع لذلك تراهم يسارعون في الهرولة للعشيرة في أول مشكلة تواجههم. البداية تكون من السياسيين أنفسهم بتطبيق القوانين بدون تدخل العشيرة والتي لاتختلف كثيرة عن الطائفة في تقاطعها مع بناء هوية وطنية موحدة تحت مظلة الوطن الواحد، ومن ثم الترويج لثقافة القانون والإعتماد على المؤسسات ضمن إطار الدولة. فالعشيرة بعاداتها وتقاليدها والتي فيها الكثير من الإيجابيات لايمكن أن تكون في يوم من الأيام بديلا ً عن الدولة والسلطة والقانون.

&

[email protected]

&