ظاهرة العنف في المجتمعات العربية ليست ظاهرة طارئه أو حديثة الولادة، بل هي ظاهرة تاريخية تمتد جذورها إلى أيام الجاهلية في صورة الصراع على الغنائم في الحروب التي كانت تدور بين القبائل العربية قبل الإسلام. كما أن العنف الديني لازم المجتمعات الإسلامية على إمتداد التاريخ الإسلامي وحتى يومنا هذا. والخوارج، هم أول من عرفوا بالتطرف أو العنف الديني العدواني الذي يستبيح الدم والمال والعرض، وهو ما يطلق عليه اليوم الإرهاب.&

ما يحدث من إحتراب أهلي في أكثر من بلد عربي يؤكد حقيقة معاناة المجتمعات العربية من ظاهرة العنف الديني سواء بين أتباع المذاهب الإسلامية المختلفة أو بين المسلمين والأقليات غير المسلمة في الوطن العربي. وتعد ظاهرة العنف الديني الضاربة جذورها في الأعماق منذ قرون طويلة، والتي زادت حدتها منذ أحداث الربيع العربي مؤشرا خطيرا على تصدع المجتمعات العربية، وأداة فاعلة تستغلها الدول المعادية للعرب لإثارة الفتن والشقاق بين الشعوب العربية لتمزيقها وإضعاف قدراتها . وللأسف الشديد، أن أنظمة الحكم العربية على مدى تاريخها الطويل قد أغمضت أعينها عن هذه الظاهرة الخطيرة ولم تحاول التصدي لها ومعالجتها حتى إستفحلت وأصبح علاجها يتطلب جهدا كبيرا على كل الأصعدة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية والتعليمية.

ظاهرة العنف الديني سببها الرئيسي هو غياب مبدأ "القبول بالآخر المختلف" في الثقافة العربية، رغم أن "القبول بالآخر المختلف" هي مقولة دينية وأخلاقية وحضارية، كما هي مقولة سياسية ترتكز عليها الديمقراطية لتأكيد صفة التعددية التي تقوم عليها. "القبول بالآخر المختلف" مبدأ قديم قدم الإنسان والتاريخ والحضارة، اخذت به الأديان والمذاهب الفلسفية والفكرية والسياسية، وتجاهلته أخرى أيضا ورفضته فكانت النزاعات والحروب. والدين الإسلامي يدعو إلى القبول بالآخر ويحث عليه. قال تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".

ويعزى غياب "القبول بالآخر المختلف" في الثقافة العربية لأسباب عدة، منها على سبيل المثال:

1. موجة التعصب الديني التي يشهدها العالمين العربي والإسلامي، والتي تؤججها وتذكيها بعض القيادات الدينية من جميع المذاهب التي ترتقي المنابر في دور العبادة، وتحشوا عقول الجماهير (وخصوصا الشباب منهم) بالمفاهيم الخاطئة عن العلاقة بين المسلمين أنفسهم على إختلاف مذاهبهم، وبين المسلمين وغير المسلمين من أبناء الوطن الواحد.

2. التربية والتعليم والتنشئة، حيث يربى الطفل في البيت والمدرسة والمحيط الإجتماعي على عدم التسامح وقبول الآخر المختلف معه في الدين والمذهب والعرق. وفي أكثر الدول العربية ما زالت مناهج التربية الدينية والإجتماعية والوطنية تفتقر إلى المواضيع التي تحث على التسامح والقبول بالغير. بل هناك دول عربية مناهجها الدينية تكفر وتحث على قتل المخالف لمذهبها ودينها.

3. إنهيار قيم التسامح والإعتدال، وإستشراء التطرف والغلو في الدين والسياسة. والمؤسف حقا أن التطرف والغلو في المجتمعات العربية يغذيان من قبل أطراف رسمية وسياسية ودينية (حكومات وأحزاب) لتحقيق مصالح شخصية على حساب الشعوب والأوطان.&

4. غياب المشروعين الوطني والقومي اللذين يستوعبان طاقات الجميع من خلال الممارسة الديمقراطية ويوظفانها لصالح المجتمع، وهو ما أدى إلى بروز الإتجاه إلى الإنضواء تحت عباءة الطائفة أو العشيرة أو القبيلة، بعد ما غابت مظلة الوطن الجامعة.

وفي إعتقادنا المتواضع أن علاج هذه الظاهرة الخطيرة، يتطلب الآتي:

1. الإصلاح السياسي وترشيد الحكم، وسن القوانين التي تجرم التكفير وتحض على العنف بكل أنواعه.&

2. الإصلاح الإقتصادي وما يتبعه من توزيع عادل للثروة وخلق فرص عمل للعاطلين.

3. تنقيح المناهج التعليمية وتطويرها لتواكب العصر الحديث ومتطلباته.&

4. تفعيل المجتمع المدني، وإشراك النخب الفكرية والثقافية والدينية المعتدلة في المعركة ضد التشدد والغلو.

5. فتح أبواب الحوار بين كل مكونات المجتمع المدني، وممارسة الحرية في الفكر والرأي، وذلك بهدف خلق مناعة مدنية فكرية قادرة على مواجهة الأدبيات الدينية المتشددة ومصادر الفكر المنحرف.

من روائع الكلام:

أطلقوا رياح كل العقائد لتلعب على وجه الأرض، ولتكن الحقيقة بينها في المعركة، فإننا بحظرنا ومنعنا لغير الحقيقة نرتكب أكبر جريمة في حق الحقيقة بأن نشك في قوتها. لندع الحقيقة تتصارع مع الكذب، فهل هناك من سمع يوما أن الحقيقة خسرت في صراع حر مكشوف؟ (الشاعر الإنجليزي: جون ميلتون).&

إنني أخالفك الرأي، ولكنني مستعد للدفاع حتى الموت عن حقك في إبدائه. (المفكر الفرنسي: شارل دي مونتسكيو).

إن الإنسان يفقد إنسانيته عندما يجابه من يخلفه الرأي بالعنف والإقصاء والتكفير، ولكن كم تسمو مرتبته عندما يحترم فكر الآخر ولو كان في الإتجاه المعاكس. (مقتبس من مقال للصحفية التونسية: شيراز بن مراد). & &

&