هو ولد نشيط بل غاية في النشاط وغاية في الذكاء ولا يتعدى عمره التسع سنوات ودايما احكي له قصص خرافية اثناء زيارتي للدولة الخليجية التي يقيم بها، واعتبره حفيدي الذي لم ارزق به بعد!، وكنت قد اخترعت له حكايات آلة الزمن، وكل مرة احكي له عن عصر معين سواء عصر قديم ام عصر مستقبلي فكنت احكي له حكايات عن عصر الرومان وقدماء المصريين وكذلك في المستقبل احكي له حكايات عندما أتوقع ان يتحكم الروبوت في الانسان ويشاركه كوكب الارض. وكان يستمتع ايما استمتاع بتلك الحكايات الخرافية، وانا ايضا استمتع بتأليف تلك القصص تأليفا فوريا، وكنت اعجب بموهبتي في التأليف الفوري الامر الذي دعاني للتفكير في كتابة قصص للأطفال، ولكن هذا موضوع اخر. المهم انه في احد زياراتي الاخيرة لأسرة هذا الطفل جاء الي يجري ويطلب مني ان احكي له حكاية ودار بيني وبينه هذا الحوار:
- احكي لي حكاية
- حكاية آيه ؟
- آلة الزمن.
- في اي عصر تحب الحكاية
- العصر الذهبي
- ما هو العصر الذهبي؟
- مش عارف العصر الذهبي؟!
- لا ما اعرفش العصر الذهبي
- عصر الرسول والخلفاء الراشدين
- آه عرفت قصدك
- وماذا تحب ان تسمع
- أحب ان أكون مع خالد بن الوليد لمحاربة الروم
- روم مين يا ابني؟
- الروم بتوع روما
- الله يهديك
- انا عاوز احارب الروم بالسيوف وأموت شهيد
- عاوز تموت شهيد ليه؟
-عشان اروح اعلى درجات الجنة
- طيب يا ابني الأساس في الحياة هو السلم وليس الحرب
- آه لكن لو ما فيش حرب يبق مش ممكن اموت شهيد!
- يا ابني انت اقل من تسع سنين آيه اللي يخليك تفكر في الموت، امال انا اعمل آيه: الطم؟؟!
- انا عاوز أكون شهيد عشان أكون في اعلى درجات الجنة مع الأنبياء
- سيبك من موضوع انك تموت شهيد، ربنا خلقنا لتعمير الارض وليس لتدميرها بالحرب
- انا مش حا ادمر الارض او اي حاجة انا حاحارب الروم بالسيوف وأموت شهيد !!

...

وأصر هذا الطفل الصغير على الاستشهاد لكي يذهب الى اعلى درجات الجنة. وبالطبع ذهلت ما الذي ادخل في راس هذا الطفل الصغير تلميذ المدرسة الامريكية في مدينته وابن أسرة ميسورة وأمه تحمل شهادة دكتوراه من واحدة من أفضل جامعات امريكا ووالده يحمل رسالة ماجستير في هندسة الكومبيوتر من نفس الجامعة في امريكا ولا علاقة لهم بالتطرف أبدا ويشاهدون الأفلام الامريكية والمسرحيات المصرية ومباريات كرة القدم. وتدينهم في غاية الاعتدال.
وحزنت وانزعجت كثيرا لأسباب خاصة وأسباب عامة السبب الخاص هو اني اعتبر هذا الطفل بمثابة حفيدي كما ذكرت وتساءلت هل يمكن ان يكون داخل هذا الرأس الصغير داعش صغير؟؟ وهل يمكن ان يتم تجنيده في داعش لكي يقوم بعملية انتحارية عندما يبلغ سن المراهقة؟& اما السبب العام فاخذت اتساءل اي مجتمع ينتج تلك الأفكار التي يتم حشرها في هذا الرأس الصغير؟ وأي دين هذا الذي يقدس الموت اكثر من الحياة؟

...

وفي الحقيقة ان هذا الطفل الصغير ليس وحيدا وليس حالة نادرة، فقد أنتجت ثقافة الكراهية والتي ترعرعت في الأربعين سنة الماضية داعش صغير في راس كل طفل وشاب وشيخ، فالمسلم يتمنى فناء اليهودي والمسيحي والسني يتمنى فناء الشيعي بل ويعمل على ذلك ولنا في احداث الجمعة الماضية في تونس والكويت عبرة والتي لم تكن الاولى ولن تكون الاخيرة طالما لدينا مشايخ يدعون ليل نهار :"اللهم شتت شملهم، اللهم يتم اطفالهم، اللهم رمل نساءهم، واجعل اموالهم ومتاعهم ونساءهم غنيمة لنا يارب العالمين" ويردد الخرفان خلف الامام "مااااء" اقصد "اميييين" !!

...

والامر بالأمر يذكر ... اذكر اني كتبت في مقال سابق عن الطفل المسلم المصري الذي سال والده (صديقي) : "همه المسيحيين دول جم لنا منين؟؟" وكانهم جنس اخر أتى من كوكب اخر؟؟

واذكر ونحن أطفال نلعب في حواري مصر القديمة كنّا نجري وراء سيارة نقل الموتى المسيحية والذاهبة لدفن مواطن مصري مسيحي، وكنا نشتم المسيحيين شتمية حقيرة اخجل من ان اذكرها الان.
وقصة ذلك الطفل السعودي ذي السبع سنوات ووالده اخذه معه وأمه للدراسة في ولاية ميتشغان في امريكا، وفوجئ الوالد بمدرسة الطفل تطلب منه ان يحضر على وجه السرعة للمدرسة، وعندما ذهب الى المدرسة سألته معلمة الطفل :
?What does KAFER mean
فتحير الرجل وعرف من المعلمة ان ابنه ذو السبع سنوات وفي اول يوم للدراسة كان يجري خلف زملاءه وزميلاته ويحاول ان يضربهم هاتفا "كافر ...كافر"!!

...

حاول عزيزي ان تنظر داخلك وان تنزع كراهيتك للآخرين ، وبدون ان تتخلص من كراهيتك فسوف تفيض تلك الكراهية وتنتقل لابناءك وبَنَاتِك ولَكل أفراد المجتمع.

...

وفي نفس الوقت في داخل كل منا دكتاتور صغير يرغب بل ويتمنى ان يفرض رأيه على الآخرين سواء في البيت او العمل، لا نعرف شيئا عن العمل بروح الفريق، ولا نعرف كيف نتخلص من "الانا" في سبيل المجموع.
لقد نشأنا على حكم الفرد في البيت والعمل والدولة ونشانا على تقديس الدكتاتور، وكلما كان الدكتاتور قويا وعنيفا ودمويا كلما احترمناه بل وقدسناه اكثر، وكلما كان الحاكم ضعيفا طيبا ديموقراطيا كلما دسناه بالاقدام. لذلك نشأنا وكلنا يرغب في ان يكون عبد الناصر او صدام حسين او اي فرعون من الفراعين.
وهاهي الثورات العربية تثبت فشل الديموقراطية في بلادنا الجميلة وان مصيرنا اما الى التفكك والتقسيم او الى العودة للحكم الدكتاتوري، وانا شخصيا أفضل الحكم الدكتاتوري عن التفكك والتقسيم .

...

طيب أين نذهب من هنا؟ ثقافة الكراهية مع ثقافات البطولات الزائفة والتاريخ المزيف المبالغ فيه معا مع ثقافة العنف والحرب والاستشهاد والتخلص من مخالفيك بقتلهم، كل هذا صنع داعش صغير داخل كل منا، الامر سوف يستغرق أوقاتا طويلة لكي نتخلص من الداعش الصغير والدكتاتور الصغير داخلنا، حاول ان تأخذ اولادك لزيارة كنيسة قريبة منكم لكي تشاهد ان هولاء المسيحيين هم أناس مثلك يشبهونك وياكلون مثلك و يشجعون نفس فريق كرة القدم الذي تشجعه، عندما تسافر للخارج حاول ان تتعرف على أسرة يهودية لكي تعرف ثقافتهم، فالإنسان عدو ما يجهل، وطالما نجهل كل الجهل معرفة اي شيء عن شركاء الوطن من مسيحيين ويهود وشيعة وعلمانيين فسوف يستمر العنف ويستمر الانتحار للذهاب الى الجنة، وعلى رأي استاذنا نجيب محفوظ في رواية الكرنك: "كلنا مجرمون .. وكلنا ضحايا"!!

[email protected]
&