في عام 1973 انبثق فصيل سياسي عرف فيما بعد باسم الحزب الوطني الاشوري، كان تنظيما سريا، تأسس تحت مظلة الاتحاد الاشوري العالمي ووفده المفاوض مع الحكومة العراقية، برئاسة المرحوم مالك ياقو مالك اسماعيل، احد قادة انتفاضة سميل لعام 1933.
الاشوريون العراقيون مروا بمراحل صعبة جدا خلال القرنين الماضيين، وتعرضوا لمذابح كبيرة من قبل جيرانهم وتحت الراية الاسلامية، ولكنهم بقوا مصرين على نيل حقوقهم ولم يستكينوا ابدا، بل تمكنوا وخلال احلك الظروف من استنباط طرق ووسائل في العمل القومي سواء بشكل مباشر او تحت عباءة الكنيسة. تأسس اول حزب اشوري في عام 1917 بقيادة الشهيد الدكتور فريدون اتورايا، والذي اعدم من قبل الحكومة البلشفية فيما بعد، ولكن ما حدث قبل هذه الفترة وخصوصا المذبحة الكبرى التي لحقت بالاشوريين وادت الى فقدانهم اكثر من نصف عددهم وتوزعهم على مناطق بعيدة عن موطنهم الاصلي. لم تمكن من قيام حزب نشط وقادر على قيادة الشعب الاشوري. ولكن المفاجاة ان الاشوريين ورغم هذه الضربة الكبيرة، فانهم لم ييأسوا بل باشروا واينما استقروا في تاسيس المدارس والكنائس، واحتفظوا بقوات مقاتلة في مناطق معينة وفي مناطق اخر تحالفوا مع القوى الجديدة والتي اختيرت للانتداب على بعض البلدان مثل العراق، لاجل تحقيق مكتسبات سياسية. الا ان اللعبة السياسية كانت اكبر منهم ومن قدراتهم التي اجهدتها الحروب والمذابح، فكانت مذبحة سميل التي اقترفها الجيش العراقي بقيادة بكر صدقي الذي منح الاوسمة جراء ما اقترفت يداه.
اعتقد الكثيرون ان الاشوريين سيستكينون ويستسلمون لقدرهم، بعد هذه الضربة الكبيرة والتي ادت ايضا الى تهجير قسم اخر منهم الى سوريا، الا ان الملفت للنظر مسارعة بعض الشبيبة لتاسيس نشاطات خيرية ورياضية لابقاء جذوة العمل القومي تحت هذه اللافتات، وتاسس ايضا حزب سياسي سري باسم حزب الاتحاد والحرية الاشوري الذي انحل مع بداية الستينيات من القرن الماضي.
مع بداية الستينيات من القرن الماضي، كان العراق يغلي بالحركات السياسية المتصارعة، وكانت الثورة الكوردية (ثورة ايلول) قد اندلعت في 11 ايلول عام 1961 وقدمت اول شهيد الشهيد الاشوري اثنيئيل من قرية دوري. ولكن جراء هذا الصراع تم حرق وتدمير المئات من القرى من قبل الحكومة العراقية والمتحالفين معها، حيث هاجر الكثيرون الى المدن ومنها بغداد وكركوك والموصل والبصرة حيث كانت هناك مجموعات من الاشوريين تسكنها وتعمل فيها منذ الثلاثينيات القرن الماضي. كان وضع العوائل المهاجرة من الناحية الاقتصادية سيئا جدأ، ولم يتلقوا مساعدة لا من الدولة ولا من منظمات انسانية في حينها، ولكن الاشوريين المعروفين باتقانهم للاعمال اليدوية والالية تمكنوا سريعا من بناء ذواتهم ودفعوا ابناءهم للمدارس. مما شكل طبقة مثقفة متاثرة بالاحداث الجارية حولها وفي العالم. وهكذا تفاعل الشباب المثقف مع الحركات الفلسطينية واليسارية عموما وخصوصا ما كان يحدث في فيتنام والحركات الثورية في اميركا الجنوبية وبعض البلدان الافريقية.
في عام 1968 قام الانقلاب البعثي الثاني، ولكنه اراد ان يمنح لنفسه وجها اكثر انسانية ليزيل مساوئ وجرائم الحرس القومي السيئة الصيت، وخلال سنتين اصدر مع الحركة الكوردية بيان 11 اذار، واقام الجبهة الوطنية، ومنح الحقوق الثقافية للتركما والناطقين بالسريانية (الاشوريين الكلدان السريان)، الا ان تراكم الثروات النفطية، بيد الحزب الحاكم دفعه تدريجيا للتنصل من كل تعهداته، ودفعه الى التخطيط لسياسة جديدة منافضة لكل ما اعلنه. اشوريا كان دخل مفاوضات مع المرحوم مار ايشاي شمعون ولم يتوصل الى اتفاق، ولكنه اعاد الكرة مع مالك ياقو ممثلا للاتحاد الاشوري العالمي، الا انه اراد ان يوقع بين الاشوريين والكوردي ولذا فقد فشلت المفاوضات ايضا.
كان النظام قد دفع الكثيير من الاشوريين للخروج من شركة نفط العراق ووظف بدلا منهم العرب ممن جلبهم من مناطق اخرى، ولكنه لم يكتفي بذلك بل ومن خلال الدعايات والترغيب والترهيب تمكن من دفع اعداد كبيرة منهم للهجرة من العراق، حتى انه كان يتم استخراج جوازات السفر للاشوريين دون استكمال الاوراق الرسمية واهما شهادة الجنسية العراقية.
في ظل مثل هذه الظروف تأسس الحزب الوطني الاشوري في 14 تموز، احد الاحزاب العاملة في العراق حاليا، وكنت شخصيا منتميا اليه وعمره لم يكن يبلغ شهرا واحدا، كانت الغاية من تاسيس الحزب هو كسب الخبرة السياسية وتحشيد القوى للمطالبة بحقوق شعبنا الاشوري، وكنا كاعضاء ندرك مخاطر ما نقوم به، ولكن كان لا بد من ذلك، لان الاستكانة والقبول بما يملي علينا كان يعني اخلاء العراق حينها من شعبنا. ولذا فقد قاد الحزب تحركا على عدة جبهات للتوعية بما يتم التخطيط له من قبل الحزب الحاكم.
فكان شباب الحزب يقودون اللجان الشبابية في الكنائس والتي عرفت باللجان الشبابية الاشورية، ومن جهة اخرى وفي نشاط ذي مغزى كبير كان الحزب يقود لجنة الطلبة الاشوريين الجامعيين، التي قامت باحداث تغيير ايجابي في وعي الشبيبة من نواحي الالتزام القومي بكل اشكاله، فكان في كل كلية ومعهد في عموم العراق لجنة طلابية اشورية غير معلنة رسميا، تقوم باقامة النشاطات القومية المختلفة وخصوصا الاحتفال براس السنة الاشورية، ويوم الشهيد الاشوري، تحت لافتة نشاط فني ثقافي. وتمكن الحزب من قيادة النادي الثقافي الاشوري الصرح الثقافي الكبير والذي كان له صيت واسع في مجتمع المثقفين العراقيين، حيث كان يحضر نشاطاته وخصوصا الادبية ادباء العراق الكبار من كل القوميات العراقية.
وبعد سنوات قليلة تمكنت السلطة من بسط نفوذها تدريجيا على كل مساحة العمل ولم تسمح باي نشاط يخرج عن طوعها، ولذا فانه وبضغط منها، تم التضييق على لجان الشبيبة التي تم حلها رسميا عام 1979 والنشاط الطلابي منذ عام 1977، والنادي الثقافي الاشوري عهام 1978. ولكن الضربة الكبرى على الحزب كانت الحرب العراقية الايرانية، وحيث ان الحزب عام 1981 رفض الاشتراك في الكفاح المسلح& لاسباب عديدة وضحها حينها، ومنها عدم الرغبة في ان يكون ابناء شعبنا لعبة بايدي الاخرية، ولذا فانه طالب بان يتم تمصيل شعبنا في قيادة المعارضة العراقية، وتوفير اتصال تام مع الجاليات الاشورية في الخارج لتلقي دعمها، الان اطراف اخرى التحقت بهذه المرحلة، ولان اغلب اعضاء الحزب كانوا شبابا فقد سيقوا الى محرقة الحرب وقدم الحزب في هذه المحرقة الكثير من الاعضاء كضحايا لرغبته في عدم فتح باب للهجرة من طريق اخر.
اليوم الحزب الوطني الاشوري يعمل مع كل الاطراف الاخرى من ابناء شعبنا الاشوري والعراقي سواء في اقليم كوردستان او في العراق كله، من اجل ترسيخ قيم الوحدة الوطنية على اسس جديدة، تتضمن الاعتراف التام بالحقوق الكاملة لشعبنا على المستوى القومي او الفردي، وان يكون شعبنا وممثلوه في كل مفاصل السلطة كحق كونه شريكا للعرب والكورد والتركمان، ويؤمن الحزب بالعلمانية والتعددية والنظام الديمقراطية.
التعليقات