لم تكن اشوريتي نتيجة لعمل قمت به ولا لانجاز توجت به حياتي ولا ابداع انتجته قريحتي، ان اشوريتي اتتني بالولادة من اب وام اشورية، وفي قرية اشورية ليس الا. ولكن من الصعب توضيح ما هي الاشورية، هل هي اللغة المحكية والتي نسميها ال سورث، ام هي الدبكات والملابس والامثلة والتاريخ ام هي الارض بجبالها ووديانها وانهارها، ام هي كل ذلك مع الشعور بالارتباط باناس على بعد منك بهذا المسافة او تلك يتمتعون او يمارسون ما تمارسه وتتمتع به من ميزات محددة يحسها المقابل.

سمعت كما سمع امثالي من ابائنا او امهاتنا او الاكبر سنا، اننا بعد ان صرنا مسيحيين لم نعد اشوريين لاننا تركنا عبادة الثيران او الاصنام رغم ان تاريخ الاشوريين لم يحتو على الاصنام ولا عبدو الثيران ولكن من اين اتى هذا اليقين عند الناس البسطاء عن تحولنا من اتوراي (اشوريون) الى سورايي (سريان) او مشيخايي (مسيحييون) لا احد يدرك ذلك، ولكنه كان يقينا وتحذيرا لعدم العودة الى عبادة اخرى. اذا حتى لدى الاميين هناك ارتباط بينهم وبين الاشوري القديم قطعه الايمان الجديد، ولكن الفلاح الامي لا يمتلك ادوات توضيح الامور بشكل فلسفي كما يفعل بعض المثقفين الذين ابتلينا بهم، انه رواية من اناس ان راوا صفحة مكتوبة بالسورث (السريانية)، لا فرق بالسبريتا (الادبية) او السواديتا (المحكية) لقبلها وحاول ابعادها عن الايدي او ان تدوسها الارجل لاعتقاده انها مقدسة تخص الانجيل او كتب الصلاة، لانه لم تكتب بلغتنا الا كتب الصلاة او هكذا اعتقد غالبية الناس. اذا انهم يفسرون كل شئ بالايمان، انه فخر الايمان المسيحي ولكنه لا ينكر اصالة الجذور.

من المعيب ان نحاول ان نثبت اشوريتنا او كلدانيتا او سريانيتنا بهذه السوقية المبتذلة التي تملاء صفحات مواقعنا. من المعيب ان اعتبر ان سركون الاكدي او الثاني او اشور بانيبال او نبوخذنصر او حمورابي حملة مشعل النضال والوعي القومي والوطني في زمن لم يكن له لهذه المفاهيم وجود اصلا ومن الغباء اسقاط المفاهيم السياسية والايديولوجية والدينية على واقع اخر مختلف كليا.

&قبل سنوات تم صلبي والتهجم علي لانني قلت انه لا يمكنني ان اثبت انني من اولاد ملك اشوري او حتى من اولاد البستاني الذي كان يعمل في حديقته، وزاد التهجم على حينما قلت ان دماءنا مختلطة، نتيجة لاختلاط الشعوب المنطقة من مختلف القوميات والاديان، من لدن ادعياء القوميين الجدد، المحملين بكم هائل من المفاهيم العنصرية والتعصب النابع من واقع مرير، لا يرى حلا الا في التشبث اكثر واكثر بالانغلاق والمزيد من التعنت وطرح الشعارات المستحيلة.

&الدعوة الاشورية لم تكن يوما دعوة عنصرية، لانها لا تعتمد على نقاء الدم والعنصر والسحنة، بل الاشورية هي حركة اجتماعية سياسية انقاذية ما بعد العشائرية، اجتماعية لانها ارادا تغيير بنية المجتمع بحيث يكون الولاء لشئ اعلى من العشيرة والكنيسة انه المصالح القومية العليا، تلك المصالح التي تنخلق وتترسخ بتطور الحركة القومية والتي تحقق الحماية والامان لكل ابناءها، وسياسية لانها اتبعت اسلوب العمل السياسي من خلال اقامة منظمات واعلام وتبشير ومطالب سياسية واضحة اعتبرت الحد الادنى للحفاظ وتطوير المكون القومي بكل كنائسة وتسمياته وعشائره وقراه وجباله وسهوله، ارادت جمع العشائر والافراد من ابناء القرى في جبال المنطقة وابناء سهول الموصل واورميا الذين تربطهم اصرة اللغة والعادات والتاريخ المشترك، والدين الواحد والذين تعرضوا لموجات القتل والاضطهاد والتنكيل المتتالي والمتعدد في مراحل التاريخ، في كتلة موحدة ترتقي في مصالحها الى حماية الذات بشكل مشترك وبناء مستقبل افضل لها. وكان على هذه الحركة المابعد العشائرية والتي انطلقت من مثقفين من ابناء السهول او ممن تعلم في المدارس واطلع على ما يختمر في الشعوب الجارة مثل الاتراك والكورد والارمن والعرب، ان تختار اسما يربطها ويؤطر عملها الثقافي والسياسي، اسما يحاول ضم كل هذا الخليط المنعزل عن بعضه البعض والمتصارع احيانا بعضه مع البعض، رغم تعرضه للمذابح والتنكيل والاهانة من قبل الجوار. وتم اختيار الاشورية (اتورايا) تيمنا باقوى واطول فترة من العمل السياسي والاستقلال لشعبنا في الماضي وتيمنا بما هو مغروس في اقوال الفلاحيين الاميين وماهو ثابت في مراحل من التاريخ الكنسي، وكان الاعتماد في عمل هذه الحركة على العشائر في الاغلب كقوة لان هذه العشائر كانت منظمة هرميا ولانها كانت تمتلك استقلالية نسبية ولانها كانت تمتلك السلاح ولانها كانت تعتبر من قبل الجيران قوة يحسب حسابها (الاكراد كانوا يقولون في مثلهم بما معناه الرجال في المنطقة ثلاثة التياري والزيباري والشنكاري) (وهذا الاعتماد ايضا شاركنا فيه كل من العرب والكورد). وكان يمكن ان يتم اختيار الاسم الكلداني (كلدايا) او السرياني (سورايا) ولا اعتقد ان المعنى والاصرة والتاريخ كان سيختلف فيهما شئ ما. ولكن على الارجح انه تم استبعاد تسمية كلدايا وسورايا لانهما استعملتا في تسمية احد كنائس شعبنا بهما كنيسة بابل على الكلدان (الكنيسة المنشقة عن كنيسة المشرق والتابعة لكنيسة روما)، والكنيسة السريانية الارثوذكسية في حين ان التسمية الاشورية لم تستعمل كاسم مرادف لكنيسة الا بعد عام 1976 وهو خطاء ان كان له مبرر حينها فكل المبررات قد زالت الان ليعود اسم الكنيسة كما كان. لاحظ ان تسمية الاشوري بمعناها حركة قومية تؤطر العمل السياسي لشعبنا، تم استعمالها ما بعد منتصف القرن التاسع عشر، رغم ان الناس العاديين كانوا يعتقدون انهم تركوا الاشورية باعتناقهم المسيحية، وهذا يتوافق مع استعمال التسمية الكوردية كتسمية قومية لعشائر ومجموعات بشرية ذات سمات لغوية معينة ومع ادراج التسمية العربية كتسمية قومية لشعوب ومجموعات بشرية عديدة.

للشعب الالماني، والذي نمت فيه الحركة القومية منذ ابنثاق هذه الدعوة اوربيا. في التاريخ اسماء عديدة ولا يزال بعض الجيران يطلقونها عليه، مثل الجرمان والالمان ولكنهم هم يقولون عن انفسهم الدويتش، في الانكليزية لايزالون يطلقون عليهم الجرمان، والفرنسيين الالمان، والسويديين التسك، ولكنهم لا يعانون من اي مشكلة لانها مسألة طبيعية ان يكون لشعب ما تسميات تاريخية مختلفة، لاسباب طبيعية، مثل ارتقاء بعض الاسماء مرحليا، او ان تكون اسماء قريبة من جيران معينين بالنسبة لهم يشمل الاسم كل من ينطق لغة معينة او يمارس عادات وتقاليد معينة. وهكذا بالنسبة للفرنسيين ولاغلب الشعوب التي اتجهت منحا قوميا في مسيرتها. ولكن لعدم نضوج الحركة القومية الاشورية حالها حال العربية والكوردية، وخصوصا ان الحركة القومية الاشورية لم تتمكن من ان تقيم دولتها ولا مؤسسات قومية قوية، لا بل تعرضت لمذابح كبيرة افقدتها اكثر من نصف شعبها مع تنوع اسباب المذابح. صارت مسألة التسمية احد المسأل التي يحاول البعض الاتجار بها وكانها الاساس وليس المكون الحامل لها هو المهم، ان الحركة القومية الاشورية كبقية الحركات القومية المجاورة، تطالب بالوحدة في كل شئ ويكاد ان يرعبها التعدد، ولو لا حظنا العمل الحثيث لتوحيد مؤسساتنا بمختلف توجهاتها او توحيد الخط او توحيد اللهجات لادركنا مدى حساسية الحركة القومية الاشورية نحو التعددية، لانها كما قلنا لم تقم دولتها وتسن قوانينها وتتطور طبيعيا كما تطورت الحركات القومية في اوربا بالخصوص، كما ان هذه الحركة لم تمتلك اقتصاد قومي يوحد الناس في مصالحهم ويوفق بينهم وبين مشاربهم المختلفة.

شئنا ام ابينا فان حوالي اكثر من الف سنة من الحكم الاسلامي على المنطقة ورغم انه كان حكما صوريا بمعنى ان حضوره كان دوريا في فترات الغزو واستحصال الجزية والسبي وخصوصا في القرى المنعزلة، الا ان تقسيمه الناس على اساس الدين، وتمييز اصحاب دين معين اقتصاديا واجتماعيا بمميزات افضل من غيرهم ترك اثره في الناس وفي تصورها لشكل تكوين الشعوب والدول. ومع قيام الدولة العثمانية باضفاء صفة الملة على بعض الكنائس واعتبارها كهيئة مستقلة عن الاخرين ومنح زعيم الكنيسة صفة الممثل لهذه الملة مع منتصف القرن السادس عشر. وخلال القرون الاخير ترسخ هذا التقسيم حتى كاد ان يكون حقيقة ثابتة ولا نزال نعيش اثاره وتداعياته لحد الان في التراشق الاعلامي المثير للاشمئزاز، رغم ان الكل الان امام مصير واحد لا يخيرهم ولا يبشرهم الا بالزوال الابدي.

نحن نعيش في حالة يمكن ان يقال عنها الزمن السريع او المتسارع، بما يتضمنه من المعارف المختلفة والتطورات ومعرفة التفاصيل اليومية للاحداث، مما يسمح للناس بقياس الزمن بصورة طبيعية، في حين ان اجدادنا وغالبيتهم كانوا الى فترة قريبة يستعملون نفس المحراث ونفس الكانون والتنور وكور الحدادة المستعمل في زمن اجدادهم في نينوى وقراها او بابل ونجوعها، كان الزمن ثقيل، ولو اضفنا عليه الكوارث والامراض والاوبئة المختلفة لادركنا ان الناس كانت تعتبر اربعين سنة بطول قرن او اكثر، لان اغلبهم كانت ذاكرتهم ترتبط بحدث معين، كان يقولوا من زمن المرض او من زمن ذبح الثور الاحمر او من زمن مذابح بدرخان بك. في هكذا حالة والتي عاشها اجدادنا قبل مائة سنة واكثر، كانت اغلب القرى مكتفية ذاتيا والتبادل بينها لا يجري الا بالمناسبات وكان الوضع الامني خلال اكثر من الف سنة محفوفا بالمخاطر السرقة والسلب والقتل لاجل مجرد سلب قميص، وزاد الامر تعقيدا مع الماذبح المغولية واخلاء الكثير من المناطق من ابناء شعبنا ونال الخلاص من التجاء الى الجبال العصية. اذا الناس كانت لا تتحرك لانها لا تهوي السفر، بل كانت تستقر وتتازر في قراها خوفا من الغريب ومن ما ياتيه. في مثل هذه الحالة لا يمكن انتاج فكر قومي ولا وطني ولكن الديني بقى لانه كان يمنح الطمأنينة لما بعد حياة العذاب والخوف المعاشة، ولان ممثل الدين ظل معهم يعايشهم ويعاني مثلهم في قراهم والاهم انه كان الوحيد الذي يفك الخط اي المتعلم. وهذه كانت حياة اغلب الناس سواء ابناء شعبنا او من تحول الى الاسلام او من بقى من الاديان الاخرى، والحالة التي حاول الناس تنظيمها كانت التحالف في عشائر والتحصن في مناطق صعبة الوصول اليها، مثل مناطق حكاري لابناء شعبنا، والعشائر بمختلف اديانها وقومياتها سنت قانونها الخاص بالحق بالسلب في ما بينها مما رسخ حالة عدم الاستقرار والحروب المستمرة. ولكنه حمى الافراد في مجموعة لن تتخلي عنه ابدا ومهما كان ما فعله في قول يردده العرب انا واخي على ابن عمي وانا وابن عمي على الغريب. ولكن بفعل الصدمة الاوربية وما اتت به من معارف وعلوم وابحاث حدث شرخ كبير في العقلية الجامدة والتي لم تتغير منذ مئات السنين، صدمة جعلت الناس تتسائل وتبحث عن طريق مماثل لعل وعسى ان يغيير من واقع الحال.

لا نزال نجتر ما رضعناه من الثقافة العربية، ونسميه اشورية، فها نحن نحاول اضفاء صفة الدولة العصرية على حالة لا يمكن تسميتها بهذه التسمية الا مجازيا، فصحيح ان الاشوريين القدماء احتلوا مناطق واسعة،ولكن هذا احتلال مؤقت وموضعي، ارتبط بوضع ممثلي السلطة في موقع القيادة ولكن الناس العادية لم تتاثر بوجود هذا او ذاك من الحكام، وفي اغلبها وخصوصا في القرى والمناطق البعيدة عن الجيوش التابعة للحكام، لان الاحتلال لم يحول معتقدات الناس او لغاتهم او حتى القوانين التي يسيرون بها، والمهم للاحتلال كان الجزية التي كانت تجبى باسم الملك وليس الدولة. وهذا الامر ينطبق على اغلب ما نسميه الامبراطوريات والدول مجازا، لغاية نشؤ الدولة العصرية والدول القومية مع بداية القرن السابع عشر. ولا يزال مجال فخرنا هو الجيش القوى وليس الاستمرارية والعدالة والعصرنة، لقد كانت الامبراطوريات والدول ما قبل ظهور الدول الوطنية تنسب كل شئ للحاكم وحتى الاراضي كانت ملكا للحاكم وليس للرعية وكان يمكن للحاكم التصرف بها حسبما شاء، اذا اين الدولة القومية؟.

قبل اكثر من مائتي عام كان الانسان العادي يفتخر بدينه وبعشيرته وقريته وال بيته في مناطقنا المتراجعة الى الخلف في كل مجالات الحياة. ولم يكن هنالك تسميات مثل (امتا) او (الامة) او (مله ت) او حتى لم تكن هناك كلمات مثل (عما) او(الشعب) او(گه ل) كانت هناك رعية السلطان، واستمدينا هذه المصطلحات لكي نخرج من تحت عباءة السلطان ونتحول الى احرار وقلنا الامة العربية والكوردية والاشورية، اذا اغلب اسقاطات الاشوريين او حتى بعض العرب عن وجود الامة بمفهومها السياسي قديما، ليس صحيحا، والا لما كانت هناك عشائر ومذاهب متصارعة لحد انها حاولت التخلص احداها من الاخرى بدفع الغريب للاعتداء من حسبته غريمها، ولذابت في الامة منذ امد طويل، ان التعاطف كان على اساس الديني والمذهبي وكان المذهب يعتبر السياج الحامي للانسان. والامر لم يكن خطاء او تخلف بقدر ما كانة حالة معاشة من الكل، حيث ان المفاهيم الاجتماعية والسياسية تتوالد نتيجة لتطورات اقتصادية ايجابية وهي حالة لم نعشها.

صار من المفهوم ان التطورات السياسية ووصول المؤثرات الاوربية والنتائج التي حققتها بعض الشعوب التي انتهجب المفهوم القومي مثل اليونان والالبان والصرب وغيرهم مثالا يحتذي للارمن ومن ثم لكورد والعرب والاشوريون، مع التنبيه ان التسميات الثلاثة الاخيرة استعملت بعد الوعي بدور الامة والقومية في تحقيق انتصار للشعوب وتحررها.

اليوم شعبنا الاشوري مشرد في اربعة اصقاع العالم، وفي موطنه، كايران صار اقلية لا تذكر وقراه باتت خاوية، وفي تركيا الحال هو كذلك، وكانت قد بقت لشعبنا قوة في العراق وسوريا، ولم يتمكن الوطنان من استيعابنا، وان تدعنا نعيش في ظل اثارنا التي نتفاخر بها. وقامت داعش مؤخرا باخر اجتياحاتها لاخر مواقعنا الثابتة والمستمرة، ولا يزال البعض في مرحلة المزايد، طارحين شعارات لا يمكن تحقيقها لان ادوات التحقيق قد تم ازالتها وهي البشر او من خلال التلاعب بالتسمية والاصرار المتعمد على اظهار التفوق المرضي والفرض الطفولي على ابناء الامة.

ولو تتبعنا مسألة القوات المسلحة والتي هي علنية، وردود الفعل عليها لادركنا مدى المزايدة الكلامية حولها، فرغم ترحيبنا الشخصي بها وبانها تقدم امل جديد لشعبنا ولاصراره على البقاء والمشاركة في الجهد الفعلي لتحرير الارض كمقدمة للمشاركة السياسية لما بعد ذلك، فان البعض يزايد بان تكون هذه القوة مستقلة كليا عن اي تعامل او مشاركة مع الاخرين في حين انه ليس لها تلك الموارد ولا القدرات المادية والسياسية واللوجستية لكي تحقق ذلك، وبحكم ذلك فهي مضطرة للتعامل مع القوى المحلية وتنسق لكي تكون في الصورة.

نحن كشعب او تسميات او كنائس، نحاول بكل الطرق ايجاد وتضخيم ما يفرقنا ويبعدنا بعضنا عن البعض، في حين ان الشعوب الاخرى ترى ان الاختلاف طبيعي ولكنهم يحاولون ايجاد ما يوحدهم، فحتى اوربا امام تضخم دور اميركا واقتصادها لم ترى الا العمل من اجل ما يوحدها لكي تتمكن ان تتنافس في عالم اليوم، والكل يعلم مدى قرب اوربا واميركا الحضاري. فهل نتعلم؟

&