قرات قول لاحد الائمة المسلمين، يرجع اصل الكورد الى الشيطان، ولا يزال في ذهني السؤال الذي طرحته مجلة العربي الكويتية في اوائل السبعينيات من القرن الماضي على المرحوم ملا مصطفى البرزاني، وكان منطق السؤال يقول هل صحيح ما يقال م ان اصل الكورد من الشيطان، فرد مهما كان اصلهم فانهم اليوم موجودون. قد تكون هذه المقدمة الصغيرة ردا على الكثيريين ممن ينكر للكورد وجودا وحقوقا، استنادا الى التاريخ.

ان يختلف الاشوريون والكورد، حول مسأل ويتصارعوا حول حقوق هنا او هناك، فهذا امر طبيعي، فالمثل يقول فقط من القبور لا تسمع الاصوات، ان الاشوريين والكورد شعبان حييان حالهما كحال العرب والفرس والترك، ولكنهما يعانيان ظلما متفاوتا، في نسبته، فاذا كان الطرفين يعانيان ظلم الفرس والترك والعرب، فان الاشوريين يعانون ظلما من الكورد، وما يعانونه هو ظلم مركب ديني وقومي. وهذا ايضا قد لا يختلف عليه اثنان، الا لمن اغلق عينيه عن رؤية الحقائق وسد اذنيه عن سماع انين وصراخ المظلومين.

طرح علي الاستاذ الكبير محمد البندر احد الاقلام الاكثر جراة في الدفاع عن الاشوريين طيلة اعوام طويلة، السؤال التالي ((التاريخ عامل قوة وضعف في المشروع القومي الآشوري... لا أدري لماذا يرى تيري بطرس في التاريخ عامل ضعف في المشروع القومي الآشوري ويراه مصدر قوة في المشروع القومي الكردي رغم ان الاول هو الاقوى والثاني الاضعف؟)) ولناتي من الاخر ونقول ان تاريخ الكورد ما قبل شرفنامة البدليسي يكاد ان يكون مجهولا، لا بل ان الاقلام التي تحاول تكريد السومريين او الميديين لا معنى لها، او انها من الاقلام التي تربت على الثقافة الممجدة للتاريخ وهي ثقافة سائدة في المنطقة التي سادت فيها الثقافة العربية، وبالتالي فانا لا ارى تاريخا بمفهوم الاشوري او حتى العربي للكورد، اتذكر في جدال حول اسم الحزب الوطني الاشوري، والذي حاول البعض القول انه كان حزب البعث الاشوري او( كبا دنوخاما اتورايا)، قلت لهذا البعض، ان الاشوريين ما كانوا بقادرين ولا كان سيسمح لهم بتاسيس مثل هكذا تنظيم في ظل نظام البعث، لان معناه ان الحزب البعث يناقض نفسه، فاكثر الامم قدرة على الادعاء ببعث ما ضيها هم الاشوريين، لانهم حقا يمتلكون ماضيا مشرقا ومتميزا بانجازات حضارية وعسكرية، وفي الفترة المسيحية قادوا تطورا علميا من خلال المدارس والجامعات التي كانت تابعة لكنيستهم والتي كان مقرها كنيسة كوخي في المدائن الواقعة جنوب بغداد، وهذا كله يناقض حلم البعث في بعث الامة العربية او ماضيها. اذا نحن لا ننكر تاريخ الاشوريين، ولكن المشكلة ان التاريخ يكاد لا يصنع اي شئ الا التسلية من خلال قراة بعض كتبه، والبعض يكاد لا يأخذ دروسا من هذا التاريخ.

وكما قال الاستاذ البندر ان ارتباط مسألة الديموغرافية والحق التاريخي برز بشكل اوضخ مع اليهود، ولكنني اقول ورغم حلم الذي غذته التوراة في العودة وفي ان الله منح الارض لهم، الا انهم ابقوا هذا الحلم التوراتي في اوراق الكتب والدعاء والصلاة اليومية، ولم يعتمدوا على ذلك في مفاوضاتهم، لانهم ادركوا انهم سيفشلون لو قالوا للغرب ان الله منح الارض لنا، علما ان التوارة مقدس لدى اليهود والمسيحيين، فان الغرب كان سيقول اعطوني صكا مكتوبا بيد الله او موقعا من قبله، قبل ان يقول واين يقع هذا الله الذي اعاطاكم هذا؟ لقد اعتمد اليهود الى ماكان لهم من سكان في الارض وبنوا على اساس ذلك وجلبوا سكانا اخرين الى الارض المقدسة، ليس منذ وعد بلفور بل منذ سبعينيات القرن التاسع عشر حينما بداء اضطهادهم في روسيا. ان التاريخ افاد اليهود في المجتمع اليهودينفسه وليس في كسب الراي العام، ولكن الوقائع على الارض وما صنعوه على الارض من كيبوتسات ومصانع ومدارس والتزام اليهود انفسهم بمشروعهم ودعمهم هو الذي اكسبهم الراي العام العالمي، لا بل اكسبهم الامم المتحدة التي اقرت تاسيس دولة اسرائيل، حينما اقرت مشروع تقسيم فلسطين.

اذا انا لا ارى للكورد تاريخا منافسا للتاريخ الاشوري، فالكل يدرك ان اغلب القرى والمدن في المنطقة اصل تسميتها باللغة السريانية (السورث) وبالتالي فهذا دليل واضح ان من سكنها قبل الكورد من كان. ولكن عدم امتلاك التاريخ لا يعني نكران حقوق الشعوب. ففي الوقت الذي لا نؤيد ما يذهب اليه البعض من ان كوننا اقلية فاننا يجب ان نشكر الكورد على حمايتهم لنا، بل نواجهه بالقول ومن كان سبب تحولنا الى الاقلية الم يكن انتم حينما شاركتم في ذبحنا تحت راية الله اكبر. من هنا علينا ان نحاول ان نخرج من هذا الجدال العقيم والذي لامعنى له البته في اقرار الحقوق على الارض. ونحاول ان نخلق مفاهيم جديدة يمكن من خلالها ان يتعايش الجميع وان يتمتعوا بحقوقهم ويطمئنوا الى مستقبلهم ومستقبل اولادهم. ان الكوردي الذي لا يقر بحقوق الاشوريين ويحاول ان يبرر ظلمهم ويبرر ما حدث لهم في الماضي لا يختلف عن اي عنصري اخر من اي قومية كان. كما ان تمتع الكوردي او الاشوري بحقوقهم لن ينتقص من حقوق العربي، والعكس ايضا صحيح، ان الذي سينتقص هو السرقة والجرائم والظلم.

وبالتاكيد ان قضية المكونات القليلة العدد سيكون محكا لنجاح الكورد في التحول الى عنصر قائد في المنطقة، وضياع المكونات من المنطقة سيعني ان الكورد لن يروا في المدى المنظور اي من طموحاتهم تتحقق، الا اذا كانت الطموحات ان يستقطع كل رئيس عشيرة بقطعة ارض ويفرض قانونه الخاص عليها ويحارب جيرانه باستمرار ليحصل على الاسلاب والغنائم.

لقد ساد في المنطقة مفهوم للاخر، مستندا الى الدين، المسلمين واهل الذمة والكفار، ولقد عانينا من هذا التقسيم معاناة كبيرة، فاهل الذمة هو مفهوم للانتقاص من كرامة الانسان، اكثر مما هو مفهوم للتمييز في الحقوق يكون افضل من الكفار، لان مفهوم اهل الذمة كان يمكن ان يلغى وان يفسر على ان اهل الذمة هم كفار ايضا. ان مساهمتنا الكبرى جميعا هي في خلق المساحة التي يمكن للجميع ان يعيشوا فيها وهم يتمتعون بكل حرياتهم وبكل حقوقهم ومتساويين في الحقوق والواجبات في ظل نظم حكم رشيدة وغير فاشلة و تستمد شرعيتها من الشعب وليس من البندقية. ولخلق هذه المساحة علينا ان نهدم الكثير من الجدران التي بنيت بين هذه الشعوب ومحاولة التنوير بان الاخر ليس فقط ذئبا، بل قد يكون حملا وقد يكون ضحية مثلنا. وان البعض ممن يتاجر بعناوين كبيرة لجر بعض ممن تستهويهم المغامرات والطموحات الكبيرة والتي لا تتلائم مع الواقع على الارض، قد يكونوا اكثر ضررا ممن نعتقده عدوا. ولعل مسألة ادخالنا في صراع غير متكافئ وغير بناء اصلا، تجعلنا نضع الشكوك حول هذه المشاريع التي لا يستفيد منها الا من يدعي بها. ولكن بدلا من كل الادعاءات التي يدعيها البعض، سيكون سؤالنا هو وما الذي فعلناه على الارض، خلال كل هذه السنوات، ولنقل منذ عام 1991 تاريخ اقامة المنطقة الامنة وما تبعها، ولحد الان، هل تمكنا من توجيه ورعاية مشروع يمكن ان يجعلنا منافسيين حقيقيين للكورد على الارض مثلا، كان نقوم بدعم مشروع للعودة وللاستقرار وللبناء على الارض واعتمادا على جالياتنا الكبيرة، ام حول البعض الجاليات الى بقرات حلوب لتحقيق مارب شخصية. وبدلا من تقوية الفوج الاشوري ودعمه ليتطور تم جعله جيشا حزبيا ضيقا ومن ثم تم حله ولو كان باقيا لليوم لكان قد تحول الى لواء ويحضي بدعم المركز والاقليم، وبدلا من دعم حملة بناء القرى التي قادها السيد سركيس اغاجان، ورفدها واعادة الحياة اليها تم محاربتها. ان هناك مفاصل للفشل في عملنا السياسي ونحن الاشوريين لا نقر بها، بل نحاول ان نرمي كل اسباب فشلنا على الاخرين وهذه اول علامات الفشل الدائمي.