لا يوجد شعب مثل العراقيين يختلفون فيه على رموزهم السياسية بدوافع شتى او لمجرد كراهية لمرحلة لا تروق للبعض منهم هذا لا يهم فقد ودع الحياة أمس في سجن الناصرية طارق عزيز المفكر ورجل الدولة البارز ونجم المحافل الدبلوماسية والسياسي المحنك بعد 79 سنة في رحلة حياة ابتدأت من مدينة الموصل الى بغداد طالبا في جامعتها ومتخرجا من كلية الأداب في قسم اللغة الانجليزية ومنخرطا في صفوف حزب البعث الى رئيس تحرير الى لاجئا سياسيا في دمشق والتي احبها.
ففي الشام زفت اليه زوجته الفاضلة السيدة فيوليت ام زياد وبها تعرض للسجن على خلفية الصراعات بين تيارات الحزب الذي آمن بفكره القومي وكرس جل حياته لخدمته. في بغداد ارتبط ابو زياد بعد ثورة البعث الثانية عام 1968 بالرئيس صدام حسين والذي وجد فيه كفاءة متميزة وشخصية مقتدرة ليمثل العراق على الساحة الدولية في فترة دقيقة هي الحرب مع إيران. وهنا يذكر شخصية عراقية هامة رافقته الى محادثات سلام اعقبت انتهاء الحرب العراقية الإيرانية عام 1988م بوساطة الامم المتحدة في جنيف بانه كان رئيس الوفد الإيراني وزير الخارجية صادق ولاياتي انذاك ومستشار الخامئني حاليا والذي حاول ان يتحدث طويلا عن شروط ومتطلبات وقف اطلاق النار بين البلدين وهنا قطع عليه طارق عزيز ليخاطبه انتبه انت لا تفرض شروط انت منهزم وخاسر وسيدك اعلن انه تجرع كأس السم مجبرا فعليك انت تصغي وتكتب ما اقوله لك؟
طارق عزيز من قماشة رجال الدولة صعبي المراس زاوج بين مهنة الصحافة والإعلام والتي اشتغل بها طويلا وحرفة الدبلوماسية التي تليق باناقة فكره ومظهره الجذاب واتزان شخصيته الاسرة فاستطاع ان يحشد تاييدا دوليا منقطع النظير للمواقف العراقية على الساحات العربية والاقليمية والدولية، كان عروبيا في منطلقاته ومنسجما مع الشخصية العراقية في شموخها واعتدادها بالذات.. مرة سجن الرئيس صدام رحمه الله ولده البكر زياد على خلفية وشاية باعمال تجارية لكنه بقي سنتين يحضر مع الرئيس الاجتماعات ويمارس مهماته دونما ان يطلب من الرئيس صدام معالجة قضية ولده زياد كان زاهدا في زخارف المنصب لم يترك بعد اعتقاله وسجنه بعد الاحتلال سوى دارته في الجادرية والتي يقطنها الان احد رموز الحكم الجديد.. طارق عزيز عندما يتحدث يأسر مجالسيه ولا يجرح احدا ويشير سفيرا للعراق في الرباط رافقه لمقابلة الراحل الملك الحسن الثاني بعد نشوب الحرب مع ايران الخميني ان الملك كان يستمتع بحديث ابو زياد ويصغي اليه بعناية وعندما يسكت يقول له الحسن الثاني تكلم استاذ..وهنا يلتفت الملك ليطلب من وزير خارجية المغرب اغلقوا سفارة إيران في الرباط.. كان مسيحيا بقلبه ومسلما بفكره ادرك ان العروبة جوهرها الاسلام بقيمه السمحة ونال اعجاب العرب والاصدقاء في كل مكان عندما ضرب مثلا في وفائه لرئيسه وحزبه ومبادؤه حتى اخر ايام السجن , لم يتبرم او يتنكر او يتنصل لانه كان كبيرا ويترفع عن الصغائر ينقل عن السيد عمرو موسى انه احتك بعزيز كثيرا وزيرا لخارجية مصر وامين عام للجامعة العربية ولم يعرف انه مسيحي الا بعد احتلال العراق وهيمنة الطائفيين على السلطة. ابو زياد ان الحديث يطول ولا تفيك هذه العجالة فقد كنت مثل نخيل العراق الذي احببت فمت واقفا وشامخا وأبياً.
التعليقات