كانت الحكومات في السابق، ولكي تمرر سياساتها وتدعم مواقفها وتقنع شعبها بانها محترمة ومهابة في الخارج، تلجاء في الغالب الى الاستحواذ على صحيفة او مجلة سياسية في بيروت من خلال الشراء او الدعم وحسب المواضيع المنشورة. كانت الدول حينها مغلقة يمكن التحكم في حدودها وخصوصا بالنسبة للمنتوج الثقافي والذي ما كان يغري احد بتهريبه، النافذة الوحيدة للخارج كانت الإذاعة المسموعة وحتى هذا كان يتم في الغالب التشويش عليها وخصوصا أوقات الاخبار والتحليلات السياسية. كانت الصحف او المجلات الممولة او المدعومة تدخل البلدان وكل بلد تلك التي يدعمها. ولكنها كانت تكلف الكثير من الأموال، اما اليوم فصارالتزوير والتشهير وتغيير الوقائع والدعم، من الأمور البسيطة والسهلة يمكن لاي واحد منا القيام بها سواء باسمه الشخصي او متخفي باسم مجموعة او أي اسم اخر. ولا يكلف الامر الا زمن كتابته وبعض التغييرات في الصور، ونشرها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لكي تنتشر وتعمم وكانها اخبار صحيحة وموثقة.

ان عملية التزوير ونشر اخبار كاذبة لاسقاط خصم سياسي او أيديولوجي، ليست مرفوضة لانها تستند الى أكاذيب فقط، بل لانها تخلق ثقافة استباحة كل الأمور للوصول الى الهدف، وهنا باعتقادي يجب ان لا نلوم ميكافيلي او غيره، فاذا كان ميكافيلي قد دعا قبل خمسمائة سنة بالغاية تبرر الوسيلة، ونحن نكتب يوميا ضدها ونتهم خصومنا بها، فما بالنا ونحن نقوم بهذه الممارسة بشكل يومي ولكن بأسماء وهمية.

&شخصيا لم تعد لي ثقة باغلب الاخبار التي تأتي من العراق، سواء من خصوم الحكومة أو من أنصارها، من خصوم الإرهاب او من أنصاره، من خصوم الكورد او من انصارهم، لان الجميع باعتقادي يشارك في عملية تزوير الوعي وجعله أداة طيعة لتحقيق غايات سياسية وفي الغالب غايات غير أخلاقية والا لما اتبع فيها أساليب التزوير والتغيير والكذب.

ان يكون هناك فرد يقوم بالسرقة، فهذا امر مفهوم، او حتى افراد، ولكن ما يحدث في العراق هو الطبقة السياسية بكاملها متهمة باللصوصية والطائفية وكانه لا شريف ولا وطني في العراق الا أصحاب المنشورات هذه. ما قلته لا يعني تبرئة الطبقة السياسية، ولكن هذا التعميم المنفلت من عقاله الى اين ياخذنا يا ترى؟ انه ياخذنا الى الانقسامات المتتالية وعلى أسس مختلقة لكي نصفي انفسنا وهذا لن يتحقق ابدا، بمعنى ان كان العراقيين منقسمين اليوم قوميا وطائفيا، وهو امر تاريخي ولم يأتي كما يدعي البعض مع سقوط نظام صدام البعثي، فاننا كعراقيين وفي حالة شيوع هذه الظواهرلن نكتفي بذلك، بل سننجر للانقسام المناطقي والعشائري أيضا، وكل هذا في ظل حروب وتصفيات وعدوات لا يمكن التحكم فيها.

لقد عباء اليسار العراقي او المتعاطفين معه عقول العراقيين بعمالة نوري السعيد وانه يتحكم في أموال العراق ويسرقها هو والطبقة السياسية التي كانت تحكم حينها، وفي الوقت الذي اكرر انني لا اريد تنزيه هذه الطبقة السياسية أيضا مائة بالمائة، الا ان الشواهد التاريخية تثبت ان نور السعيد كان واحد من امهر وانزه السياسيين العراقيين، وحتى الاسرة المالكة والطبقة السياسية على العموم كانت في الغالب تحاول ان تغلب القانون وتطبيقه، في حين ان من اتى من بعدها كان يقول بالطلقة بأربعة فلوس نكاية بسهولة التخلص بمخالفيه، اويعتبر ميزانية البلد، ضمن ممتلكاته العائلية.

ان نطالب بإحالة سياسيين معينين للمحاكمة امر مقبول وخصوصا، انه حدثت أمور تتطلب ذلك، ومنها سقوط محافظات كاملة بيد تنظيم صغير، ليس هذا بل تم تزويده التنظيم بكل ما يحتاجه من الأسلحة والمعدات من ما تم تركه لهم بعد انسحاب قطاعات الجيش العراقي. ان يتم محاسبة السياسين على عدم تحقيق واجباتهم وخصوصا البنية التحتية وفي مجال توفير متطلبات الحياة الكريمة للمواطنين امر مقبول، ولكن هذا لا يتطلب ان يقوم البعض بالمطالبة بإعدام هذا اوذاك. والمشكلة انه لم يتم استثناء احد من المطالبة بازالته، او إعدامه او اتهامه بالعمالة والخيانة، فكما يمتلك زيد صفحة في الفيس بوك او مجموعة، يمتلك عمر مثلها، وليس هناك واحد افضل من الاخر. ولم يسأل احد ولكن من سيحكم، هل سيستول الشعب على السلطة وكله سيحكم ذاته، ماهي الالية، انها ليست انتفاضة لدى البعض، بل الذهاب الى المجهول.

لقد خطى السيد العبادي خطوات وان لم تكن كافية باعتقادي، ولكن الأهم هو القضاء، فعليه أولا تنظيم القضاء بما يحقق العدالة، وليس الانتقام، العدالة التي ستضع الأمور في نصابها، وتدين المتهم او تبرئه. نعم هناك تجاوزات ولكن هل صحيح كل ما ينشر عن مليارات السيد البرزاني او النجيفي او المالكي او غيرهم. باعتقادي ان التضخيم وتصديق الناس له، يعني ان لم يكن هناك مصداقية لدى الطبقة السياسية او الجراء في تسمية الأمور بمسمياتها. ففي ظل الدعوة الى وحدة العراق، تم تغطية الثقة المفقودة بين مكوناته بتوزيع الثروات بشكل طائفي مما خلق فسادا مستشريا، فسادا ليس لصالح هذه الطائفة او تلك، بل داخل الطائفة ذاتها، لان هذا التوزيع تم حصره بالاقرب. وخصوصا ان مستلزمات ومؤسسات الدولة لم تعد قائمة بالصورة التي تجعل الأمور تسير نحو امكانبة تحسين الأوضاع وتطويرها وإزالة الغبن عن الكثيرين. مطلوب اليوم وقبل الغذ إشاعة ثقافة تقييم كل الأمور وخصوصا الكبيرة، بمعنى اخضاعها للجان تحقيقية لكي تظهر المقصر واوجه التقصير. اليوم بواجه العراق الإرهاب ولكن مع استعداد العراق لمحاربة الإرهاب، عليه ان يكون خلية عمل لوضع أسس بناء الدولة الحقيقية، والتي سيكون الجميع فيها سواسية. ومن الظروري البدء بتعميم الفدرالية ولكن بعد توفير مستلزماتها من القوانين والصلاحيات والميزانية. انها خطوات يمكن التهئ لها وغيرها لكي تعيد الأمور الى نصابها. والا فان البعض قد يجر العراق الى المجهول.

&