لم تكن أغنية "اقتلوا العرب" التي شاعت عبر مواقع الانترنت في الأشهر الأخيرة سوى أحد تجليات مشاعر العداء الكامنة في نفوس غالبية الإيرانيين تجاه الشعوب العربية؛ ورغم النفي الايراني لحصول هذه الأغنية على ترخيص رسمي، فإنها شاعت بدرجة لافتة، والاغنية هي لمغني راب إيراني يحرض فيها ضد العرب بشكل مبالغ فيه، وقراءة سريعة لكلمات الأغنية المترجمة إلى العربية تكشف حجماً هائلاً من العنصرية والحقد الفارسي ضد الشعوب العربية.
عندما تابعت الجدل حول هذه الأغنية المقيتة، تذكرت الأسباب الحقيقية للسلوك الإيراني تجاه العرب، والمحركات الأساسية لهذا السلوك، وفي مقدمتها الفكر الامبراطوري والحقد التاريخي، الذي كان ـ ولا يزال ـ&& أحد محركات التوسع الإيراني تجاه عواصم دول عربية أربع، فلم يكن ذلك بهدف الانتصار للمتسضعفين ولا غير ذلك كما يحاول الخطاب الأيديولوجي الايراني الزائف خداع البسطاء بذلك، فإيران لم تنس بعد زوال امبراطوريتها على يد العرب منذ نحو أربعة عشر قرناً مضت خلال فترة الفتوحات الإسلامية؛ ولست أشكك كثيرا في ما نشر من أنباء وتقارير منذ فترة مضت حول وجود خطط إيرانية لتنظيم استفتاء في العراق لضم هذا البلد العربي العريق إلى إيران!!
فالصراع الإيراني مع العرب لا يعود تاريخه إلى أعوام قلائل مضت كما يعتقد البعض، بل هو صراع قومي تاريخي ممتد يمتلك أبعاد وخلفيات قومية وسياسية متجذرة وتعود إلى مرحلة ماقبل الفتح الاسلامي بمراحل، ولكنه بات يرتدي ثوباً أيديولوجياً فضفاضاً منذ قيام ثورة الخميني عام 1979، حيث اتجه الملالي إلى استغلال مرحلة التراجع العربي عبر رفع راية الدفاع عن الشيعة وسعوا إلى احتكار الحديث باسم الشيعة في مواجهة السنة، من أجل تغطية طموحاتهم التوسعية التاريخية على حساب العرب برداء أيديولوجي عقائدي نجحوا من خلاله في اختراق صفوف السنة العرب، وما ساعدهم في ذلك أن هناك من العرب من تعامل مع إيران باعتبارها خصم أيديولوجي لا تاريخي وسياسي، وهناك من تعامل مع المواطنين العرب الشيعة باعتبارهم وكلاء لإيران في دولهم، والحقيقة ليست كذلك، ولا ينبغي أن تكون كذلك، ما أسهم بدوره في تعزيز التوجه الإيراني نحو تفكيك الدولة الوطنية العربية عن طريق معاول الطائفية والمذهبية واستقطاب شرائح من العرب الشيعة للتعاطف مع إيران، ما يمثل نوع من الاختراق المدمر للاصطفاف الوطني في الدول التي تعاني مثل هذه الظاهرة!!.
هناك عوامل واعتبارات كثيرة تبرهن على أن الصراع العربي ـ الإيراني هو صراع قومي تاريخي لا صراع ديني، فالعرب ليسوا جميعاً من المسلمين السنة، بل إن هناك ملايين العرب يعتنقون الاسلام الشيعي والديانة المسيحية واليهودية وأديان وعقائد أخرى عديدة، كما أن إيران ليست في مجملها من المسلمين الشيعة، بل يكفي الإشارة إلى وجود نحو عشرة ملايين مسلم سني يعيشون داخل هذا البلد، الذي يزعم حمل لواء الدفاع عن المسلمين الشيعة في المنطقة والعالم!
وحول خلفيات هذا الصراع، يقول المفكر الايراني واستاذ العلوم السياسية بجامعة طهران صادق زيبا كلام أن الكثير من الإيرانيين ـ سواء كانوا متدينيين أو علمانيين ـ يكرهون العرب"، ونقل عنه في مقابلة صحفية لأسبوعية "صبح آزادي" ترجمها موقع "العربية نت"منذ نحو أربعة سنوات مانصه: "للأسف أنا واثق من أن الكثير منا - نحن الإيرانيين – عنصريون"، ,معتبراً أن نظرة الإيرانيين للعرب تعد أحد ابرز الشواهد على عنصرية الإيرانيين، ونافياً وجود ارتباط بين تدني المستوى الثقافي وانتشار العنصرية لدى الإيرانيين كما هو الحال في الغرب، ومعتبراً أن الأمر يبدو مختلفأً في إيران، ومضيفا "ترون الكثير من المثقفين يبغضون العرب، وتجدون الكثير من المتدينين ينفرون منهم، إلا أن هذه الظاهرة أكثر انتشاراً بين المثقفين الإيرانيين، فهذه الظاهرة تنتشر بين المتدينين على شاكلة لعن أهل السنة. إن الحقد والضغينة تجاه السنة ورموزهم لدى الكثير من الإيرانيين هو في واقع الأمر الوجه الآخر للحقد على العرب". ويحصر صادق هذه الكراهية القومية الفارسية للعرب إلى الهزيمة التاريخية للفرس أمام المسلمين العرب في معركة القادسية، وفي ذلك يقول هذا الاستاذ الجامعي "يبدو أننا كإيرانيين لم ننس بعد هزيمتنا التاريخية أمام العرب ولم ننس القادسية بعد مرور 1400 عام عليها، فنخفي في أعماقنا ضغينة وحقداً دفينين تجاه العرب وكأنها نار تحت الرماد قد تتحول إلى لهيب كلما سنحت لها الفرصة". ويضيف مبرهناً على صحة تفسيره "هذه الأمور ليست من صنع الوهم.. فكلما اتخذ جيراننا في الإمارات والبحرين وقطر والكويت موقفاً ما ضد إيران ستجدون رد الجمهورية الإسلامية الإيرانية عنصرياً أكثر منه موقفاً سياسياً". ويتساءل صادق: عندما يتحدث الناطق باسم خارجيتنا أو وزير خارجيتنا أو إمام جمعتنا أو رئيس برلماننا.. كلامهم ينطلق من فكر استعلائي، فعلى سبيل المثال يقولون لهم (الدول العربية) هل أنتم بشر؟ ما أهمية الإمارات؟ لو نفخ الإيرانيون من هذه الضفة للخليج الفارسي على الضفة الأخرى سيمحونكم من الوجود".
لم أكن أود الاستشهاد كثيرا بما ينطق به استاذ جامعي إيراني معروف مثل صادق زيبا كلام، ولكن المنطق الموضوعي الذي يتحدث به الرجل في مختلف المواقف والمناسبات ربما يبدو أكثر اقناعا من الدلائل والبراهين الموثقة حول العداء التاريخي القومي والنزعة العنصرية التي تسيطر على السلوك السياسي الايراني تجاه العرب جميعاً، لذا فقد ارتأيت الاسترشاد بما يقوله البروفيسور الايراني لعلي أفلح في انتشال مدمني ابتلاع الأكاذيب وتصديقها من العرب، ممن يثقون في مزاعم الدفاع عن الدين والقدس والمستضعفين والمظلومين وغير ذلك من شعارات لا تخفي ورائها سوى خطط ونوايا توسعية قومية يغذيها حقد قومي وعداء تاريخي يسيطران على الفكر والسلوك السياسي الإيراني، ومن لا يصدق ذلك عليه أن يذكرني بخطة واحدة أعدها الجنرال التلفزيوني قاسم سليماني قائد الحرس الثوري الايراني، لتحرير القدس، أو حتى تحرير شبر واحد من الجولان السورية المحتلة، رغم حرصه الشديد على التقاط صوره وهو يصول ويجول في محافظات العراق، أليس من يمتلك القوة والنفوذ للوجود في سوريا والعراق قادر على إحراج إسرائيل والضغط عليها عسكرياً؟
أثق شخصياً أن الهدف المحوري لمخططي الاستراتيجيات الايرانية لا يطال الأراضي العربية التي تحتلها إسرائيل بأي حال من الأحوال، ولا يتماس مع فكرة تحرير القدس وغير ذلك، بل يتمركز حول السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي والعواصم والدول العربية المجاورة لإيران، فالشعارات الدينية ليست سوى هرطقة طائفية وحصان طروادة الجديد الذي نجح الايرانيون من خلاله في تفريق شمل العراقيين، وتحويلهم إلى فرق وطوائف متصارعة على قاعدة دينية ومذهبية تتيح لإيران فرصة ثمينة للثأر التاريخي مما حاق بامبراطوريتها على يد العرب المسلمين في العراق.
&