يخطئ من يظن بوجود امكانية للتعايش مع الإستبداد، أيمنا كان الحِلة التي يرتديها وفي أي زمان ومكان وجد، فكل تجارب الإستبداد والمستبدين عبر التاريخ، تؤكد بشكل قاطع&صحة هذه الرؤية. فالإستبداد كالسرطان الخبيث، لا يمكن التساهل معه، ولا الإطمئنان إليه أبدآ، فأي تراخي سيقضي عليك لا محال.

كما هو معلوم، إن السرطان يبدأ ينخر في أعضاء الجسم الواحد تلو الأخر، يفعل ذلك بشكل صامت، ومع الوقت يأتي على كافة أعضاء الجسم، وفي النهاية يشل حركته ويقضي عليه نهائيآ، ويضع حد لحياة المرء. وهكذا هو الحال مع الإستبداد، فما أن يبتلي بلدٌ ما بهذا الداء، حتى يشل الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية فيه، ويأتي عل الحريات العامة والفردية، ويتحول البلد إلى سجن كبير، ويفقد المرء في ظله أداميته وكرامته الإنسانية، ويعامل كالعبد والدواب.

وبناء عليه، يمكن القول لا حل ولا سلام في جنوب كردستان وسورية، في ظل وجود أنظمة مستبدة، تتحكم في البلاد والعباد منذ سنين طويلة، والإستبداد قضى على الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية في كلا البلدين. ولا شك هناك إختلاف ما بين كلا التجربتين، ودعونا نبدأ أولآ بالوضع المتأزم في جنوب كردستان، ومن بعدها نعرج على الوضع السوري الملتهب.

ولا يختلف عاقلان على أن سبب الوضع المتأزم في جنوب كردستان، يعود للإستبداد&العائلي المغلف بثوب حزبي، وبأن الوضع قابل للإنفجار في أي لحظة كانت، ويمكن أن تتسبب في حرب داخلية، على غرار حرب التسعينات من القرن الماضي، بين البرزاني والطالباني، اللذان يتقاسمان السلطة والنفوذ في الإقليم.&

وكل حديث عن مفاوضات وحوار بين الأطراف المعنية بالأزمة المستفحلة، هو مجرد كلام في الهواء، هدفه شراء الوقت والضحك على الذقون لا أكثر. لا حل ولا سلام في الإقليم في ظل سيطرة العائلة البرزانية المستبدة على محافظتي هولير ودهوك، وسيطرة عائلة الطالباني على محافظة السليمانية وكركوك جزئيآ.

حتى لو غادر المغتصب للسلطة مسعود البرزاني الحكم الأن، وجاء شخص أخر محله من خارج حزبه والعائلة، لن تحل أزمة الإقليم، مادامت عائلة البرزاني تسيطر على القسم الأكبر من قوات البيشمركة والأجهزة الأمنية، والإعلام والمال والنفط في الإقليم. والجزء الأخر تسيطر عليه عائلة الطالباني. كيف يمكن لرئيس أن يحكم ومقادير الحكم الحقيقية بيد عائلتين بعينهما؟؟؟ جميع المراقبين يدركون حق الإدارك، إن الأزمة تكمن في الإستبداد الذي يتحكم بالإقليم منذ عقود، ولا مناص أمام الشعب الكردي، إلا أن يثور على هذا النظام العائلي الإستبدادي البغيض، والتخلص منه بشكل جذري وإلى الأبد.

وفي الحالة السورية الملتهبة منذ خمسة أعوام، لا يمكن بأي حال من الأحوال التعايش مع الإستبداد، ورأينا ماذا كان نتيجة صمت السوريين طوال السنين الماضية، على نظام الإستبداد ذات الصبغة العنصرية - الطائفية، ومحاولتهم التعايش معه. ولهذا إن الكلام عن مؤتمر جنيف وفينا والرياض، والتفاوض مع المجرم بشار الأسد، هو حديث الهدف منه، تخدير الشعب السوري وبيعه الأوهام من جديد.

لا حل وسلام في سوريا، إلا برحيل الأسد وكل أركان نظامه، وسحب السلطة الفعلية من الطائفة العلوية، والمقصود بذلك تحرير الجيش من سلطتهم ومعه الأجهزة الأمنية وتخليص الإقتصاد، من يد عائلة الأسد ومخلوف وشاليش، وكل من لف لفهما من حيتان المال المنهوب، ولا ننسى تحرير وسائل الإعلام من يدهم هي الإخرى.

إذا إفترضنا تحاور السوريين مع هذا النظام المستبد، وقبل النظام بالتخلي عن كرسي الرئاسة، مقابل الإحتفاظ بالجيش والأمن، فماذا بمقدور رئيس سني أن يفعل في هذه الحالة؟ الجواب لا شيئ، سيكون حاله حال الرئيس العراقي. الكرد والسوريين بحاجة إلى إقامة نظام ديمقراطي، يكون جميع القوات العسكرية والأمنية فيه، تابعة للحكومة المنتخبة، ويمنع منعآ باتآ من إمتلاك أي حزب أو عائلة مليشيات عسكرية خاصة بها، مهما كان الأمر.&

وقبل الختام، لا يمكن إجراء إنتخابات حرة وديمقراطية، في ظل سيطرة حزب معين أو عائلة ما على مقاليد الحكم الحقيقية، كما هو الحال مع حزب الإتحاد الديمقراطي بغرب كردستان، أو حزب البعث في سوريا، أو حزب البرزاني في اقليم جنوب كردستان.&

في الختام، لا تنتظروا خيرآ من كل هذه الجعجعة، حول إقتراب الإنفراج في إيجاد حل في إقليم جنوب كردستان وسوريا. الحل الوحيد هو القضاء على هذه الأنظامة المستبدة الحاكمة في كلا البلدين، قضاءً مبرمآ. ولا تنسوا بأن العديدين من المستبدين وصلوا الى الحكم عبر الإنتخابات!

&