لا ينكر أن للدعاة الدينين المتطرفين، وتجاهل المؤسسات الأوربية والأمريكية لمشاكل اللاجئين المسلمين، ولتصاعد العنصرية في الغرب أدوارا مختلفة في اندفاع الإرهاب وحجم وفظاعة جرائمه.

لكن نشأة الفكر المتطرف، والنزعة الإرهابية كانت خارج أوربا وأمريكا، وقد لعبت السياسات الأمريكية، وبعض الدولة الأوربية؛ دور الراعي والمغذي لشجرة الإرهاب لتلقي ثمارها المسمومة على الأرض!

معالجات الإدارات الغربية عموما لقضايا الإرهاب في بلدانها مهما بلغت من القوة والبذخ المالي، ستبقى موضعية ومحدودة وقليلة الجدوى، والمعالجات الأهم، هي التي تتناول جذور الإرهاب المسكوت عنها عادة، وعلى أرض البيئات الكبرى حيث نشأ وانطلق منها الإرهابيون ليلقوا شرورهم في بلدانهم، والبلدان الأخرى!

في العقود الأربعة المنصرمة وقع حدثان هائلان هزا المنطقة والعالم، وأنتجا بتداعياتهما المعقدة أخطر ظاهرة، وهي التطرف على نطاق شعبي واسع، بعد أن كان التطرف يأخذ طابع الانقلابات العسكرية!

الحدث الأول كان الثورة الانفعالية المتسرعة للشيوعيين في أفغانستان، والثاني ثورة الإيرانيين ضد الشاه!

أخذُ الشيوعيين للسلطة في أفغانستان عدها غلاة الإسلاميين تهديدا للإسلام؛ وعدتها أمريكا تحد سوفيتي لمصالحها في الخليج، فتوحد الإسلاميون والأمريكان لمواجهتها بحرب: خرجت من رحمها القاعدة، وبن لادن، الذي بعد أن ساعدهم بإسقاط الشيوعية في أفغانستان ألقوه جانبا كمنديل ورقي مستعمل، ولم ينل لا هو ولا الإسلاميون شيئا مما وعدتهم به أمريكا لقاء دحر الشيوعيين، فكان أن نهضت من تحت المنديل القذر طائرات رهيبة ضربت قلب أمريكا، وعصابات ذئاب مسعورة تنهش الناس في كل مكان!

نسقت أمريكا وفرنسا بانتزاع الثورة الإيرانية من أيدي اللبراليين والعلمانيين وإعطائها للخميني؛ ليقف محتويا بعباءته ملايين الأتباع بوجه الشيوعية المنفلتة شرقا!

فشنق قادة الشيوعيين واللبراليين، وأيقظ في الشيعة المعروفين بانطوائهم على أحزانهم الحسينية شهوة السلطة، وكانوا يحرمونها بغيبة أمامهم الغائب، ونزعة

للتطرف مضمرة ومعلنة، ووضعهم في مواجهة السنة أشقائهم في القومية أو الدين ليحاربوا حتى في الأرض البعيدة خلف واجهة المذهب من أجل مطامح دولته في التوسع؛ حتى وصل نفوذها اليوم إلى شواطئ المتوسط، وراحت تتفاخر أنها تمتلك الآن بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء، وتنشد المزيد!

كثير من الناس على بساطة مداركهم يعرفون بوعي كامل أو بإحساس غامض، أن أمريكا والغرب صنعوا الإسلام السياسي، بكل مخالبه الدموية ليحاربوا به الشيوعيين وحتى العلمانيين واللبراليين المفترض أنهم حلفاءهم الحضاريون، وشقوا المسلمين سنة وشيعة ليفتتوهم إلى قطع صغيرة فيسهل ابتلاعهم!

لقد صار معروفا أن الإنجليز هم الذين أسسوا تنظيم الأخوان المسلمين في مصر عام 1928 لخلط أوراق الحركة الوطنية هناك، وبعد أن لاحقهم عبد الناصر لجأ كثير منهم إلى السعودية فتلاقح فكرهم مع الوهابية وكون بذور القاعدة الإرهابية!

السنة الذين يشكلون أكثر من 90% من المسلمين في العالم، يشعرون اليوم أنهم الآن مستهدفون في عقر دارهم، من قادة جدد للطائفة الأخرى يمتلكون صواريخ عابرة، وعشرات الفضائيات تلعن وتشتم رموزهم الدينية،وتشمت بهزيمتهم وخسارتهم!

في أذهان الكثيرين من السنة أن أعداءهم الطائفيين هم صنيعة أمريكا والغرب، ألم يسلموا الخميني السلطة عام 1979؟ ألم يسلموا العراق لطهران عام 2003؟

ألم يلعبوا بمكر وخبث على مأساة الشعب السوري مكتفين بإدانات لفظية، وحتى حين ضرب بشار الناس بالأسلحة الكيماوية اكتفي أوباما بسحب مسدسه منه!

ألم يخذلوا الفلسطينيين لعقود طويلة مستلبين حقوقهم مع الإسرائيليين؟

وثرواتهم أين ذهبت؟ النفط صار يغذي حرائقهم، وهم اليوم معوزون جوعى؛ يمكن لأبسط فكرة أن تستلب عقولهم!

الآن ثمة عداء معلن وخفي بين السنة وأمريكا والغرب، وقد انبرت روسيا والصين تتجاذبان الحالة إلى ما هو أكثر تعقيدا!

ليس مصادفة أن جميع العمليات الإرهابية التي حصلت في أمريكا وأوربا قام بها متطرفون من السنة، وجرائم حزب الله الإرهابية لها حسابات إيرانية مختلفة!

مهما أهلنا على الإرهابيين من الشتائم واللعنات، فيستطيع الأموات منهم والأحياء أن يفلسفوا جرائمهم، ويقدموا لها التبريرات الفقهية والمنطقية. بل ثمة ضحايا يمدون ألسنتهم من وراء القبور قائلين " كلوا مما غرست أيديكم!"

بالطبع نحن نرفضها ولكن هذا لا يجدي، فالواقع الأصم يتركها تعمل وتتفاعل كل يوم، وكل ساعة لتنتج المزيد!

ماذا فعل من اعتقدوا أنهم حماة السنة، وأنهم قد اصطفتهم العناية الإلهية للحفاظ على الإسلام، ونشر مبادئه وصون كرامة المسلمين؟ استدعوا أقسى واصلب ما في الإسلام من آيات ونصوص، شهروا مع سكاكينهم الآية التي كانت خاتمة القرآن وخلاصته، والتي نسخت كل الآيات المكية المسالمة: آية السيف، 5 من سورة التوبة، وكانت قد كتبت على بوابة القاعدة العسكرية في أفغانستان عندما كانت بقيادة الأمريكان "... قاتلوا المشركين حيث وجدتموهم، وخذوهم واحصروهم،واقعدوا لهم كل مرصد..."

هناك إسلام شعبي يدعو للمحبة والتسامح، ولكن الإرهابيين رسميون نصيون لا يقبلون التلاعب بكلمات ربهم، ونحن في نظرهم وعاظ سلاطين ونحاول تحريفه، وعلى رقابنا أن تنتظرهم!

أيريد قادة أمريكا ودول أوربا القضاء على الإرهاب؟ ليأتوا إلى هنا، ويصلحوا أخطاءهم، وخطاياهم إن استطاعوا، أم ترى أن الأوان قد فات، وإن الصراع والعذاب سيمتدان لأزمان وأجيال؟

&

[email protected]