عندما اجتاح الغزو السوفيتي أفغانستان، تسابقت الخطابات الدينية إلى دعوة الشباب للجهاد. صورت لهم كل الملذات من الحور العين وحتى أنهار العسل المصفى لتحقيق ذلك. كانت، بكل جهل متاح على الأرض، تصنع وقودا بشريا بدعوى محاربة أعداء الله. ولم يكن الإيمان الحقيقي دافع تلك الخطب بقدر ما هو التماشي مع الإرادة السياسية. وعندما انسحب السوفييت، لم يطل الأمر حتى اصبح الذين يقاتلون أعداء الله هم ذاتهم اعداء لنا ولله. فتحولت خطبنا بقدرة قادر من دعم هؤلاء الشباب الى الوقوف ضدهم والتحذير من خطرهم وشرهم. وفي الحالتين، الأولى والثانية، كان الخطاب الديني يعتمد على تفسيرات عقدية يجتهد فيها الخطباء والشيوخ وفق ما تقتضيه الرغبة السياسية، وبالاعتماد على الأدوات ذاتها من وعود بملذات لا حدود لها، أو وعيد لا يرحم.
اليوم، أثبت الخطاب الديني انفصاله الشديد عن الواقع. فقد حصر نفسه بين الترغيب والترهيب، رابطا كلاهما بالآخرة بتطرف شديد أكثر من تطرف الذين نتهمهم بالتطرف. فكانت النتيجة أن اصبح الشباب، وهم غالبية العالم الإسلامي، أكثر عناصر الأمة الإسلامية جهلا بالإسلام. إذ انفصلوا بدورهم عن دينهم الذي أمسى أسير خطابات لا تتصل بهمهم اليومي. وتزايد عجز الخطاب الديني عن وقف التطرف الذي كان هو أول من بدأ به، عندما عجز عن مخاطبة عقلية شباب اليوم، وتلمس همومهم، والتي تختلف كثيرا عن الأمس.
&لقد فقد الشارع الإسلامي الفتي ثقته في المؤسسة الدينية وخطبائها. ساهم في ذلك تزايد القناعة بأن كل تلك الخطب كانت صنيعة السياسي في أصلها. قولوا كذا.. فيقولون.. لا تقولوا كذا.. فيمتنعون. أما ما يتعلق بالشباب العاطل عن العمل، المفلس، المكبوت، فقد كان كل ذك آخر ما يفكر الخطاب الديني في أمره.
وبعد ان أخذ التطرف يجرفنا، شرعنا نتحدث عن المحبة. واتهمنا الآخرين بأنهم لم يقرأوا إسلامنا جيدا، ولم يعرفوا ديننا جيدا. وأكدنا وأقسمنا أنه مليء بالحب والتسامح. ولم ندرك أن ذلك الحب الذي عمي الآخرون عن رؤيته قد عمي على المسلمين أنفسهم رؤيته. فهم لم يروا في الخطاب شيئا عن محبة الآخر بل رفض شديد له، مع تبشير للمرة الألف بجميلات الجنة، أو التهديد بإلاه لا يغفر.
لو سلمنا بأن المؤسسة السياسية هي اليوم أفضل مما كانت بالأمس، ولو بقدر ضئيل، مع إعطائها الشباب فرصة للمشاركة في صنع القرار، فيعني ذلك أن على المؤسسة الدينية الإسلامية ان تستقيل. فنحن لا يمكن ان نعتمد على خطابات دينية يقدمها عجائز لا يعرفون عن هموم الشباب شيئا، ولا عن علوم الدنيا شيئا أكثر من شروط الوضوء الصحيح، والركوع الصحيح، فيما الناس جوعى والشباب يموتون. لقد فقدت المؤسسات الدينية، في معظم العالم الإسلامي، قدرتها على التأثير في الشارع، بل إنها تزيد الوضع سوءا. ولمن يقول بأن الضرورة تحتم إعطاء المؤسسة الدينية فرصتها لتصحيح الخطاب الديني القديم فسأقول إن التصحيح حتمي، لكن ذلك لن يتم إن لم تتغير المؤسسة الدينية الحالية أولا، فقد مضى عليها ألف عام أو اكثر ولم يتغير فيها شيء.
&
&