&
تصدر انعقاد مؤتمر جنيف3 المشهد الإعلامي في الأيام القليلة الماضية وشكلت ماهية القوى التي ستحضره سجالا إعلاميا كبيرا هدر لأجله الكثير من الحبر على أوراق الجرائد، وانشغلت بها شاشات التلفزة والمواقع الألكترونية، حتى بات الجميع يعتقد أن جنيف سيكون سفينة نوح المنقذة.
بين من سيحضر ومن يجب أن يحضر شكل الكرد الرقم الصعب في المعادلة، ففي الوقت الذي حاول النظام تغييب الكرد باصطحاب أحد (أكراده) متمثلا بالسيد عمر أوسي رئيس ما يسمى بمبادرة الكرد السوريين، حاولت معارضة الرياض، أو الهيئة العليا للمفاوضات اصطحاب بعض (أكرادها) متمثلين بالسيد فؤاد عليكو وعبد الحكيم بشار وخلف داهود، الذي ضرب بنية هذا الاصطحاب ومبرراته بتصريحه الذي أكد فيه إنه لا يمثل الكرد، إنما يمثل القضية الوطنية في سوريا، وبين حضور (أكراد النظام) و(أكراد الائتلاف) كان العالم يسأل عن الكرد وإمكانية حضورهم، ومبررات تغييبهم، ومدى مصداقية دعاة جنيف3 لحل الأزمة السورية، ونسبة النجاح المحتملة لهذا الاجتماع فيما إذا تم تغييب الكرد عنها.
في الفترة السابقة لتوجيه الدعوات وأثناء وبعد ذلك، كانت تصدر من موسكو وواشنطن التطمينات للكرد بأنهم سيكونون شركاء في رسم ملامح سوريا الغد، لكن غابت وعود حضورهم في جنيف، فكانت تصريحات الساسة والدبلوماسيين الكرد، تصب في خانة التهديد، سواء الصريح أو المبطن، مع ترك خط للرجعة والإبقاء على شعرة معاوية مع مختلف الأفرقاء والرعاة بنفس الدرجة، فالسيدة إلهام أحمد، التي صرحت بأن الغرب الذي يدعمنا عسكريا ويتجاهلنا سياسيا ودبلوماسيا يجبرنا على إعادة النظر في هذه العلاقة، إنما كانت تلمح بإمكانية توجيه البوصلة الكردية نحو موسكو بالتزامن مع المحاولات الروسية لتقريب وجهات النظر بين الكرد و النظام، واعتماد الورقة الإيرانية ذي النقاط الأربعة والتي إحداها تأكد حقوق الأقليات دستوريا، وأمام تعنت المعارضة في رفض المكون الكردي جاء تصريح جو بايدن باحتمالية الحل العسكري كتهديد مباشر للمعارضة وليس للنظام كما فهمه البعض، فالنظام أصبح تحت الغطاء الروسي المباشر ومحميا تماما، فجو بايدن إنما كان يقول للمعارضة(اعقلوا).
بالتزامن مع تلك السجالات ارتفعت نبرة التهديد الكردي، فجاءت تصريحات آلدار خليل وصالح مسلم بأن الكرد غير معنيين بما سيتمخض عن جنيف، وتلاه تصريح إلهام أحمد الذي حمل طابع التهديد المباشر بالانفصال لأول مرة عندما أكدت أن إقصاء الكرد عن جنيف هو إقصاء لكامل الشمال السوري عن سوريا، ليقرأه الكثير من المتابعين بأنه شمال سوريا ما بعد جنيف لن تكون كشماله قبل جنيف، بينما بولات جان ممثل وحدات حماية الشعب لدى التحالف الدولي كان أكثر وضوحا في تغريدته على تويتر عندما قال(عدم إشراك الكرد في محادثات جنيف تعني رسالة من القوى الدولية إلى الشعب الكردي مفادها: "أيها الكرد أنتم لستم جزء من سوريا، انفصلوا عنها)، وتزامنت هذه اللغة التصعيدية مع تأكيدات هيثم مناع على الاعلام بأن الكرد تم تغييبهم بفيتو تركي وانساحبه لاحقا، وكذلك التصريحات السابقة للخارجية التركية وتهديدها بالانسحاب من مفاوضات الحل في سوريا إذا تم إشراك الكرد،كل هذه المعطيات أكدت أن الكرد هم الرقم ¬¬¬¬¬¬¬¬¬–¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬¬ الصعب في هذه المعادلة، وان الغرب البراغماتي لن يتجاهل هذه الورقة بالشكل الذي تتصوره المعارضة السورية.
&
الغرب في كوباني، وجنيف 3 لوقف إطلاق النار و فك الحصار فقط
فجأة وبينما السوريون مشغولون بكواليس جنيف، هبطت مروحيات أمريكية في كوباني، وفيها وفد من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، قوامه بريت ماك غورك ممثل الرئيس الأمريكي باراك أوباما ومسؤول الملف السوري والعراقي في البيت الأبيض، بالإضافة إلى قائدي القوات الخاصة الفرنسية والبريطانية، والمستشار الأول لوزير الدفاع الأمريكي ممثلا عن البنتاغون وقياديين آخرين من قوات التحالف مع وفد دبلوماسي هو الأرفع الذي يزور سوريا منذ اندلاع الأحداث، وليس من بوابة دمشق أو تركيا، في إشارة واضحة إلى الاهتمام الغربي الجاد بالورقة الكردية، واستحوذت الزيارة ومدلولاتها على وسائل الإعلام، دون أن تستطيع أي وسيلة من معرفة ماذا جرى في النقاشات التي حصلت بين الوفد وممثلي الإدارة الذاتية في كوباني، وبحضور رفيع المستوى من قيادة وحدات حماية الشعب.
الوفد الذي هبط في كوباني، ولأول مرة بهذا الشكل العلني، لا شك انه كانت وراءه رسالة واضحة للكرد وللمعارضة أيضاً، وعلى مدى يومين زار أكثر من منطقة في كوباني وتوجه بعقد اجتماع مغلق بينهم وبين قيادات بارزة في الإدارة الذاتية و الساسة الكرد و ممثلي وحدات حماية الشعب، ومما تسرب من هذا الاجتماع بأن السيد ماك غورك أكد بأن اجتماعات جنيف ليست الغاية منها رسم ملامح سوريا إنما فقط لفرض وقف إطلاق نار وفك الحصار عن المدن المحاصرة، وهو بالدرجة الأولى إجراءات بروتوكولية لا قيمة فعلية لها على الأرض.
لغة الحوار الكردي في هذا الاجتماع تراوحت بين التهديد الدبلوماسي الناعم وبين وضع مخاوف الكرد على طاولة الدبلوماسية الغربية التي يشكل تعاطي الغرب معها مقياس الاستمرار في التعاون، فالسيد آلدار خليل الذي كان حادا على غير عادته حيث أكد للوفد بما لا يدع مجالا للتأويلات بأ ن(الكرد وقوتهم العسكرية، ليست قوات تحت الطلب، ولا يعملون بالأجرة، ومن يريد التعاون معهم عليه أن يفهم ذلك، القوى الغربية هي التي تحتاج الكرد وليس العكس، ومن يريد إثبات غير ذلك عليه أن يفكر بالتعاون مع التشكيلات العسكرية في درعا أو حمص او غيرها من مناطق الصراع في سوريا) مبديا امتعاضه من تخاذل الغرب في تقديم الدعم الدبلوماسي للكرد وسلبيتهم في هذه المنحى، ورضوخهم للإملاءات التركية، بينما كانت قيادة وحدات حماية الشعب واضحة في موضوع التعاطي العسكري والسياسي مؤكدة أن الوفود السياسية والدبلوماسية الكردية في الغرب تمثل الغطاء السياسي والإرادة السياسية للقوات العاملة على الأرض ولا يمكن الفصل بينهم وعلى العالم إدراك هذه الحقيقة، بينما رأى السيد أكرم حسو أن على الغرب أن يعترفوا بالإدارة الذاتية كمدخل سليم لبناء علاقات تعاون طبيعية.
الحل سيكون في لندن
السيد ماك غورك والوفد المرافق أكد للإدارة الذاتية أن الكرد هم القوة الرئيسية على الأرض، وهم شريك أساسي و استراتيجي للتحالف، وسيكونون العمود الفقري لسوريا المستقبل، وجنيف 3 لن تجاوز الحالة البروتوكولية، ولتطمين هواجس الكرد فالضمانات التي حملها الوفد في حقيبته من استعداد رسمي لتسليح القوات الكردية على كل الأصعدة والمستويات، والاستعداد لتقديم الخبرات التقنية والتكنوقراطية للإدارة الذاتية، وتبادل الخبرات اللازمة وبصورة علنية كانت هي الضمانة التي قدمها ماك غورك.
السيد غورك أكد استعداد الإدارة الأمريكية لتطوير العلاقات الثنائية وبشكل علني أمام الإعلام، واعتبر أن هذه الزيارة ستكون باكورة هذه العلاقات، والتي ستتبعها تبادل الزيارات بين الوفود السياسية والتقنية في أقرب وقت، ومن ضمنها زيارات مرتقبة لوفود تقنية وإدارية أمريكية لتقديم الخبرة للإدارة الذاتية بالإضافة لدراسة إمكانية المساهمة الفعلية في إعادة إعمار كوباني.
فيما على المستوى السياسي فقد أكد السيد غورك أن الغاية الأساسية لهذه الزيارة العلنية هي تهدئة هواجس الكرد و كذلك التحضير لمؤتمر لندن لحل الأزمة السورية والاستماع لوجهة نظر الإدارة الذاتية و نقل رؤاهم إلى طاولة الكونغرس و الرئاسة الأمريكية، وهو مكلف من الرئيس أوباما بالذات لهذه المهمة،مؤكدا أن الإدارة الأمريكية تدعم قوات سوريا الديمقراطية و ستدعم مجلس سوريا الديمقراطي و لن يكون لسوريا مستقبل دون الكرد،وان صوت الكرد سيكون واضحا و عاليا في مؤتمر لندن المزمع عقده.
لا شك أن مؤتمر لندن هذا يذكرنا بمؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي أدى فيما أدى إليه انعقاد مؤتمر صلاح الدين في أقليم جنوب كردستان، وما استتبعه من تغييرات في البنية السياسية لنظام الحكم في العراق،فهل ستؤدي لندن السورية إلى انعقاد مؤتمر روج آفا للمعارضة السورية؟؟ وهل لهذا الاحتمال صلة بتصريحات جو بايدن من احتمال تدخل عسكري في سوريا؟ وكذلك تهديدات الساسة الكرد عالية السقف هذه المرة؟
الولايات المتحدة و من خلفها الغرب لا أصدقاء لهم، ولا ثقة بهم طالما أنهم لم يوقعوا على وثائق خطية، ودون أن ننسى قرب الانتخابات الأمريكية التي تشكل عاملا مهما في تعاطي الأمريكان مع هكذا ملفات، فإن الوضع في سوريا يبدو أنه سيبقى على ما هو عليه لفترة زمنية ليست بالقصيرة، والإدارة الذاتية مأخوذة بنشوة تعاطي العالم معها(سلبا أو إيجابا)عليها أن تثبت أكثر من أي وقت مضى على مشروعها السوري العام، كسلة حلول لمجمل القضايا العالقة.
&
&
التعليقات