&
& &البارحة، توفي شيخ &في مدينة العمادية، عاش سنواته الأخيرة مع ابن مٌختل عقليا، في بيته الذي يقع في محلة المسيحيين، بدأت اضطرابات الأبن النفسية في منتصف التسعينيات، وصلت حدا انفجاريا في الأسبوع الأخير.. كان قد تخرج من كلية الأعلام في بغداد في سنوات بلورة تدمير حياتنا العراقية، معتقدا بأن طريق الصحافة امامه مفتوح، تمت اخافته في بغداد، عاد الى العمادية ليعيش صدمة تحول الأحلام الى أوهام، بدأت مرحلة الهذيان وصار صحفي المستقبل، شخص يحدث الناس حول همومهم وهمومه بالحاح، فقالوا عنه، لقد جُنَّ .. تصاعدت وتيرة توتراته وقادته الثرثرة الداخلية الى هذيان وكآبة حادة ، ثم نكوص وانفصام وبدأت حالة دائمية من مد وجزر الأعصاب، وحكم المجتمع عليه بقسوة كما يحلو له واتسع العوق النفسي بوفاة والدته بالسرطان، فأتخذ الشيخُ الحائر ابوه، قرارا بالمغادرة، مصطحبا من تبقى من عائلته في الوطن، ثلاثة أولاد وبنت، لعل هناك أمل في خلاص ما وخروج من حالة اليأس وصعوبات معيشية خانقة، وقبل كل شئ، البحث عن مكان فيه عناية حقيقية بالمرضى النفسانيين، لكي يكون لولده المخذول أمل في الشفاء، اعتقد الشيخُ بأن العالم سيكون فيه مكان يرحمهم، وصوله الى اليونان، بمشقة تم، تبعته لسنوات طويلة، حياة تلخصت بأنها موت بطئ، يضمحل فيها الأمل تدريجيا. تم قبوله شخصيا ليرحل حيث ولده وبنتيه في اميركا، لكن اميركا لم توافق على قبول بقية عائلته، فكيف يرحل ويدير الظهر لأبنه المعوق نفسيا؟ بقي في اليونان والسنوات تمر وحالة الأبن تتجه نحو الأسوأ، خرج بفكرة اللجوء الى السويد، أذ كانت معالم تدمير العائلة قد لاحت في الأفق تحت سماء ملبدة بسواد تراجيدي لم يخف على شيخ خبرته وصقلت سنوات الجمر حاسته الأنسانية. سمع بأن الطب النفسي في السويد متطور وهم اناس متحضرون وعندهم يتساوى الكلب بالأنسان في حقوقه المدنية! فليس من المعقول بالنسبة لتقديره للحالة، ان يتم رفضه وابنه المريض، لكن الذي حصل في الواقع أنه ترك معزولا هناك في قرية نائية وتكرر رفض لجوءه وصدور قرار ترحيله الى العراق برفقة ولده المريض، عاد الشيخ المُتعب مع ابنه المريض الى العمادية بعد رحلة قاسية امتدت لسنوات طويلة في اوربا، عاد الى بيته ونصب عينه مرحلة كفاح جديدة على ارضه برفقة ابن ليس له هناك من يهتم به غيره، ذلك الشيخ، عانى في سنواته الأخيرة من علل صحية اجتمعت ضد جسده الواهن وظهر احدودب من شدة ماصادفه من ظلم في حياته. في اسبوعه الأخير عاش مع ابنه الذي وفي اقصى درجات خروجه عن الوعي، &اغلق الباب على ابيه و على نفسه، اكتشف الجيران هذا الأمر متصلين هاتفيا بأبنه في كندا ليهرع مستقلا اول طائرة نحو العراق.. تسلق جدار الدار نحو السطح ونجح في الدخول، صدم بأب مستلق على فراش رث يلفظ انفاسه الأخيرة وأخ فاقد الوعي.. مات الشيخ في المستشفى بعد سويعات منفصلا عن ابنه المريض وانهى الموت، حالة اصراره على تحمل مسؤولية العناية بولده حتى يومه الأخير في العالم، اتصل ولده المفجوع &بمصير ابيه واخيه &برجال الصحة، &للتوقيع على ورقة استلام اخيه المريض من قبل المستشفى النفسي في اربيل، لقد رحل عنا نحن عائلته المشتتة في العالم، ذلك الرجل العجوز الذي خطفه الموت، هو خالي، فيليبوس آدم.. لقد وافته المنية ولم يسمع ابدا صوت ولده وليد الذي حُشر في سيارة تأخذه الى المجهول، مبتعدا عن أخيه المذهول والناس في محلة المسيحيين في العمادية تسمع آخر صرخة من فمه المفتوح الى اقصاه .. الى اين ذاهبون؟ &اين أبي، أب.... ي ..
&