على إثر التداعيات التي تتوالى فيما انعكس على العلاقات السعودية اللبنانية، هذه الأيام، بعد أن أوقفت المملكة مبلغ مساعدات الجيش اللبناني وهي أكثر من 3 مليار دولار، بدا واضحا إلى أي مدى بلغت إيران في تخريب العلاقات العربية العربية، لاسيما وأن لبنان هو أحد أهم الدول العربية وقدم الكثير من أجل عروبته في مجال الفكر والثقافة والتاريخ.&
اليوم، وفي ظل هذه التطورات التي اتخذتها السعودية، سواء من حيث تحذير مواطنيها من السفر إلى لبنان، أو من تخفيض التمثيل الدبلوماسي، وكذلك الإجراءات التي اتخذتها أغلب دول الخليج ؛ سنجد هناك ما يدعو إلى التأمل العميق في الاستحقاقات التي يتوجب على لبنان الالتزام بها حيال أشقائه العرب، لاسيما المملكة العربية السعودية ودول الخليج.
الكرة اليوم في ملعب الحكومة اللبنانية، بعد أن اتضح تماما مدى التغول الذي تمدد به حزب الله على مفاصل الدولة، وتعطيل استمرار أهم مؤسساتها (مؤسسة الرئاسة) ورهن القرارات السيادية للبنان بتوجهاته العقائدية الأيدلوجية، بصورة أصبح فيها العداء للسعودية كما لو أنه محاولة للاستفزاز.&
فموقف وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل في الجامعة العربية وتخاذله في إدانة السلوك الإيراني في الاعتداء على مبنى سفارة المملكة في طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد (الذي أدانته جميع الدول، بما فيها، ويا للمفارقة، إيران ذاتها) كان موقفا غريبا عجيبا، لاسيما في حق دولة كالمملكة العربية السعودية التي لعبت دورا كبيرا في الوقوف إلى جانب لبنان، منذ أكثر من خمسين عاما، وكان دور المملكة العربية السعودية حاسما في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية من خلال مؤتمر الطائف في العام 1990 في عهد المغفور له الملك فهد بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ حرصا على أمن لبنان ووحدته وعروبته، كما ساهمت المملكة بدور كبير في إعادة إعمار لبنان بعد الحرب الأهلية، لاسيما الجهود الكبيرة للمرحوم رفيق الحريري ــ رئيس وزراء لبنان الأسبق ــ&
لا يمكن لأي عاقل إلا أن يدين ما فعلته الحكومة اللبنانية من خلال موقفها الذي عبر عنه وزير خارجيتها جبران باسيل في اجتماع جامعة الدول العربية بخصوص الاعتداء على سفارة المملكة العربية في طهران وقنصليتها في مشهد.&
ما هو مهم بطبيعة الحال، ليس النظر إلى القضية كعلاقات بين بلدين بينهما عداء، فليس للمملكة العربية السعودية عداء مع لبنان، لكن ما يحدث في لبنان من تجاوزات حزب الله وتخريبه لعلاقات لبنان العربية العربية، هو أمر يضر بلبنان قبل أي جهة أخرى، لهذا إذا نظرنا إلى موقف المملكة وبقية دول الخليج من هذه الناحية سنجد أن الإشكالية في صميمها إشكالية لبنانية وترتبط أولا وأخيرا بالمصير الذي يسوقه حزب الله إلى هذا البلد.&
بطبيعة الحال ستحاول إيران التدخل لتعويض الدور السعودي ــ وهيهات لها ذلك ــ لأن العلاقات العربية العربية لا يمكن أبدا أن تتحول إلى علاقات عربية فارسة من خلال سياسات إيران، مهما فعلت.&
لم يكن موقف المملكة العربية السعودية الأخير سوى محاولة لإيقاف التغلغل الخطير للنفوذ الإيراني عبر حزب الله في لبنان، وتنبيه اللبنانيين إلى أن السعودية لم تتخذ تلك الخطوات لأنها تعترض على سياسة توازن المحاور داخل لبنان، فقد كان الأمر كذلك على مدى أكثر من ثلاثين عاما، ولكن المملكة العربية السعودية تنبه بموقفها ذلك إلى الخطوط الحمراء التي لا ينبغي تجاوزها في حقها.&
لقد كان قرار الوزير باسيل بعدم إدانة السلوك الإيراني قرار دولة، أي قرار الحكومة اللبنانية والموقف الرسمي للبنان ؛ فلم يكن ليضير السعودية لو خطب خطباء حزب الله كما شاءوا ضد المملكة، فذلك الأمر ربما لا تكترث له المملكة كثيرا، لكن أن يمارس لبنان الرسمي من خلال حكومته وعبر وزير خارجيته هذا الدور ضد المملكة ؛ فإن من حق المملكة ـ عند ذلك ـ أن توقف مساعداتها للجيش اللبناني، فالأمر هنا تجاوز الحدود المعقولة، وكان لابد من إعادة الأمور إلى نصابها من طرف المملكة العربية السعودية.&
وبعد التسريبات ـ عبر صور الفيديو ـ التي كشفت عنها قناة العربية، مؤخرا، عن دور عناصر لحزب الله دربوا الحوثيين على أساليب إيذاء المملكة العربية السعودية من خلال تدريبهم على طرق القصف العشوائي للمدنيين في جنوب المملكة (الذي راح ضحيته حوالي 300 سعودي بين شهيد وجريح ) أصبح الوضع واضحا بالنسبة للمملكة العربية السعودية، حيال ما ينبغي عليها القيام به، من طرفها على الأقل، لتنبيه الحكومة اللبنانية إلى خطورة أفعال حزب الله ضد السعودية والخليج.
ستظل العلاقات بين المملكة العربية السعودية ولبنان من الثوابت السياسية التي لن تتغير من طرف المملكة، وان أصحبت هذه العلاقات اليوم في أشد الحاجة إلى إعادة النظر من طرف الحكومة اللبنانية التي أصبحت بعض مواقفها تعبر عن الإرادة السياسية لحزب الله وإيران، أكثر من أي شيء آخر.&
&
&