&
إستضاف رئيس الوزراء البريطاني "ديفيد كاميرون" يوم الخميس من الأسبوع الماضي عددا من قادة العالم يمثلون حوالي 40 دولة، بهدف بدء حملة دولية ضد الفساد. جاءت هذه الاستضافة بعد حوالي شهر على ما أطلق عليها فضيحة "اوراق بنما" التي كشفت عن ممارسات تهرب ضريبي على نطاق واسع.
كشفت الوثائق المسربة من مكتب "موساك فونسيكا" للمحاماة البنمي، البالغ عددها حوالي 11.5 مليون وثيقة عن استخدام شركات "أوفشور" على نطاق واسع لإيداع اموال في مناطق تدفع فيها ضرائب منخفضة، وتحكمها قوانين ضريبية غامضة تسهل عملية التهرب من دفع الضرائب الحقيقية المستحقة. فضائح التهرب الضريبي التي كشفتها هذه الوثائق طالت "ديفيد كاميرون" نفسه، الذي اضطر الى الاعتراف بأنه كان يملك حصصا في شركة "أوفشور" كان يملكها والده المتوفى عام 2010م. كما قادت هذه الوثائق الى استقالة رئيس وزراء آيسلندا ووزير اسباني. كما دفعت الوثائق دولا عدة الى فتح تحقيقات في ملفات تهرب ضريبي.
وفي الورقة البحثية التي قدمتها "كريستين لاغارد" مديرة الصندوق الدولي، اكدت ان الفساد في القطاع العام يكبد الاقتصاد العالمي خسائر تقدر ما بين 1.5 الى 2 تريلون دولار سنويا في صورة رشى، اضافة الى تكاليف ضخمة اكبر تتمثل في اضعاف النمو الاقتصادي وفقدان الايرادات الضريبية واستمرار الفقر واتساع رقعته.
يكاد يكون الفساد ظاهرة ملازمة للحضارة البشرية، وجزء لا يتجزء من الصراعات الاجتماعية والسياسية عبر التاريخ، فما قامت ثورة او أسقطت انظمة حكم وانهارت أمم إلا وكان الفساد عنصرا فاعلا ومهما في تحقيق ذلك. ولا يختلف احد على ان المجتمعات كافة في الغرب والشرق تحتوي على قدر معين من الفساد، حيث لا يوجد على وجه الأرض ما يسمى المجتمع الفاضل الذي يخلو من الفساد والمفسدين او جمهورية أفلاطون. الفرق هو انه في الدول التي تحكمها انظمة ديمقراطية حقيقية يتم محاكمة كل من تثبت عليه تهمة الفساد دون مراعاة لموقعه السياسي او الاجتماعي، اما في الدول غير الديمقراطية، فلا يطبق القانون إلا على الضعفاء.&
مؤشرات الفساد في الدول العربية تعتبر من الأعلى في العالم بحسب مؤشر منظمة الشفافية الدولية للعام 2014م، حيث ترتبط ظاهرة الفساد بشكل مباشر بنظام الحكم، فالبيئة المثلى للفساد هي الانظمة غير الديمقراطية التي تفتقر الى مقومات الحكم الرشيد من شفافية ومشاركة شعبية فعلية ومساءلة وسيادة القانون. ومن ابرز سمات انظمة الحكم في الدول العربية غياب المشاركة الشعبية الحقيقية في ادارة الدولة والهوة السحيقة بين الحاكم والمحكوم.
إن ضبط الفساد ومعالجته هما جزء من عملية واسعة لإرساء قواعد الحكم الرشيد، وترسيخ مفاهيم الشفافية والمسائلة، وهذا يتطلب وجود دول قوية في تكوينها ومؤسساتها، قادرة على سن قوانين عادلة وتنفيذها في إطار حكم القانون، ومن خلال اجهزة تشريعية وتنفيذية خاضعة لسلطة قضائية نزيهة، وهذا لا يتحقق إلا من خلال وجود إعلام حز ونزيه يلعب دور السلطة الرابعة في كشف الفساد وتعبئة المجتمع المدني ضد مرتكبيه، وكذلك وجود شعوب واعية بخطورة الفساد على مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة.
قد تكون التكلفة الاقتصادية المباشرة للفساد واضحة ومعروفة، غير ان التكلفة غير المباشرة قد تكون اعلى بكثير. الفساد بشكل عام يؤدي الى تقليص الايرادات الحكومية، وهذا بدوره يؤدي الى انخفاض الاموال المتوفرة للاستثمارات العامة في البنى التحتية والتعليم والرعاية الصحية والسكن الاجتماعي وغيرها من الخدمات. كما ان الفساد يقوض الثقة بالحكومات ويضعف المعايير الاخلاقية لدى المواطنين.
ما يعقد الوضع في معالجة هذا الداء العضال في العالم العربي هو غياب الأطر القانونية والمؤسسية التي يمكن من خلالها تطويق هذه الظاهرة الخطيرة والبدء في معالجتها بطريقة فعالة.&
آخر الكلام: الحملة الدولية ضد الفساد حظيت بتغطية اعلامية واسعة في الدول الغربية، ولكنها مرت مرور الكرام في الاعلام العربي الرسمي وكأنها لا تعنيه في شيئ.&
&