&

قدوم منظمة مجاهدي خلق الى العراق في حزيران1986، في خضم الحرب الايرانية العراقية المستعرة وقتئذ، کان له أکثر من مبرر، خصوصا وإن إقتراب المنظمة من بلدهم ومايتيح لهم ذلك من تواصل مع الشعب الايراني من جهة و يکونون على إطلاع عن کثب على مجريات هذه الحرب التي إعتبر الخميني وقوعها خيرا لإيران. الاحداث و التطورات التي أعقبت قدوم مجاهدي خلق للعراق، بدأت تتوضح على أکثر من صعيد، ذلك إن الجبهة التي فتحوها ضد طهران و التي أحدثت شرخا کبيرا في الدفاعات الايرانية و کان لها الدور الکبير في إجبار الخميني على تجرع کأس السم و إيقاف الحرب کما سنوضح لاحقا من المعارك التي خاضتها قوات مجاهدي خلق ضد الجيش الايراني و قوات الحرس الثوري.

جيش التحرير الوطني الذي شکلته منظمة مجاهدي خلق في 20 حزيران 1987، أي قبل عام تقريبا من إنتهاء الحرب، ألحق هزائم منکرة بالقوات الايرانية، من ضمنها عملية الشمس الساطعة في نيسان 1988، حيث کانت أول عملية توغل من خلالها هذا الجيش في داخل الاراضي الايرانية في منطقة فکە من أجل السيطرة على مقر قيادة فرقة 77 خراسان في الجيش الايراني والتي کان القادة الايرانيون يسمونها باسم "الفرقة الدائمة الانتصار 77"، حيث کانت تمتلك أفضل التجهيزات العسکرية و القتالية وقد شملت جبهة طولها 30 کيلومترا، و شارکت فيها 15 لوائا، من ضمنها لوائين قتاليين للنساء و لواء مدرع جديد التأسيس وقتها، وقد صادف ليلة تنفيذ العملية عيد النوروز وقد کانت اول عملية من نوعها يشرف عليها مسعود رجوي القائد العام لجيش التحرير الوطني بصورة مباشرة، وقد تمکن جيش التحرير الوطني و منذ الساعات الاولى لهجمته المباغتة على هذه الفرقة من "سحق و تحطيم 9 أفواج کانت تشکل العمود الفقري للفرقة 77"، وقد تم قتل و جرح 3500، و أسر 508، فردا من أفراد تلك الفرقة حيث کان من بينهم ضباط کبار و غنم جيش التحرير الوطني الايراني في هذه المعرکة غنائم تم تقدير قيمتها بأکثر من 100 مليون دولار.

في يوم العشرين من حزيران 1988، بدأ جيش التحرير الوطني الايراني عملية الثريا التي قادت الى تحرير مدينة مهران، و هي عملية دارت رحى معارکها على جبهة تتکون من من أربعة محاور بطول 50 کيلومتر من أجل التقدم و التغلغل لعمق 20 کيلومترا، ومنطقة العمليات کانت تبدأ شمالا من مرتفعات کج و مرتفعات کولك(في منطقة کاني سخت الواقعة في جنوب صالح آباد و إيلام)، ومن الجنوب من مرتفعات قلاويزان(الواقعة في جنوب شهر مهران)، ومن الشرق من مفرق طريق دهلران مهران، ومن الغرب من الحدود الدولية للعراق إيران، کانت تنتهي. وقد شارکت 22 لوائا قتاليا من جيش التحرير الوطني و التي إندفعت بحماس و إيمان الى عمق تلك الجبهة و خلال معرکة إتسمت بضراوة استثنائية حيث إستخدم الجيش الايراني کافة إمکانياته و تحت وابل من القذائف و الصواريخ و الرصاص المنهمر، إندفعت جحافل جيش التحرير الوطني لتسجل واحدة من أبهر و أروع مآثرها الخالدة عندما دمرت الخطوط الدفاعية الحصينة للجيش خلال خمس ساعات و تمکنت من الدخول الى مدينة مهران من عدة محاورها و تحريرها، وقد کانت حصيلة هذه العملية تدمير الفرقة المدرعة 16 قزوين و التي کانت من أهم الفرق المرعة التي يعتمد عليها الجيش الايراني تدميرا کاملا، وتم اسر عدد من الضباط القياديين کما تمت السيطرة على مرکز القيادة للفرقة في عمق مرتفعات شمال مهران وتم سحق الفرقة 11 للحرس الثوري الايراني المکون من 9 أفواج مشاة، مدرع، مدفعية، کما تمت السيطرة على مقر قيادتها کما تم تدمير فوج کامل للکاتيوشا و عدد من أفواج المدفعية و عدد من أفواج الدفاع و الاسناد، بصورة کاملة وتم أسر 1500 من أفراد الجيش و الحرس الثوري أما الغنائم فقد کانت کما يلي:

ـ 54بابة جلها من طراز شيفتن.

ــ 48 مدرعة 13 منها خاصة للقيادة.

ـ 33 مدفع عيار 130 مليمتر و 155 مليمتر.

ـ ثلاثة سيارات مدرعة مجهزة بمدافع شليکا الموجهة بالرادار.

ـ مئات من الاسلحة المختلفة من ضمنها مدافع 106 مليمتر و راجمة مدافع ميني کاتيوشا، مالوتکه‌، تاو، دراغون و السيارات الحاملة لها.

ـ مئات السيارات العسکرية الخاصة بالاتصالات و النقل و ناقلة العتاد و الماء و سيارات الاسعاف و الشاحنات و سيارات الجيب العسکرية.

ـ الاف من الاسلحة الخفيفة و شبه الثقيلة الفردية و الجماعية و مدافع 60 و 81 و 82 و 120، مليمتر.

وقد استغرقت عملية نقل الغنائم أکثر من اسبوعين لضخامتها و قد شاهدت وسائل الاعلام العالمية عن کثب مدينة مهران و هي محررة بيد جيش التحرير الوطني، وقدرت قيمة الغنائم بحدود ملياري دولار. والذي کان واضحا إن تأثيرات و تداعيات هذه المعارك التي خاضتها قوات تابعة لمنظمة مجاهدي خلق و ليس الجيش العراقي، قوية على الداخل الايراني عموما و على طهران خصوصا، والذي نود الاشارة إليه هنا، هو إن عملية إخلاء الغنائم من ساحة المعرکة کانت جارية عندما تجرع الخميني کأس السم و وقبل خانعا وقف إطلاق النار، والحقيقة التي نود التأکيد عليها هنا، هو إن دخول جيش التحرير الوطني الايراني قد غير موازين الحرب الدائرة و أضعف موقف طهران کثيرا بحيث کان الاستمرار في الحرب بالنسبة لها بهذه الطريقة تعني الانتحار بعينه، ومن هنا فإن واحد من أهم أسباب خنوع الخميني للقبول بوقف إطلاق النار کان تخوفه من دور منظمة مجاهدي خلق في هذه الحرب و تحسبه منه.

قبول الخميني بوقف إطلاق النار، والذي کان تطورا نوعيا في الحرب الدائرة، لم يمر سوى اسبوع على ذلك، حتى فاجأت منظمة مجاهدي خلق العالم بهجومها الکبير الذي أسمته بالضياء الخالد، والذي بدأ من خمسة محاور في غرب منطقة سربل زهاب، بقوات قوامها 10 فرق متکونة من 35 لوائا، حيث وصلت القوات المهاجمة الى مشارف مدينة کرمانشاه وقد بادر الخميني ازاء ذلك الى إعلان حالة النفير العام ضد هذا الهجوم و تم تعليق إجتماعات مجلس الشورى و أعلن تعطيل المدارس و إستدعى کل المسؤولين رفيعي المستوى الى مدينة کرمانشاه وتم إغلاق شرکات النقل و السفر و أمر بوضع کل الحافلات في خدمة نقل الجنود و أفراد الحرس الثوري الى جبهة القتال، وأمام ذلك الحشد الهائل من القوات و الغطاء الجوي لم يکن هنالك من مجال أمام القوات المهاجمة سوى الانسحاب الى قواعدها بعد أن هزت النظام و زلزلته بعنف.

کلما سردته آنفا، کان من إنجاز سکان معسکر أشرف و الذين إنتقلوا فيما بعد الى مخيم ليبرتي، وإن سقوط النظام السابق وکما هو واضح ولأسباب مختلفة، قد فتح أبواب العراق على مصاريعه أمام نفوذ الجمهورية الاسلامية الايرانية بحيث لم يعد بوسع أحد إنکار هذه الحقيقة أو تجاهلها، وقد کان جليا بأن طهران ومع سقوط النظام السابق کانت في عجلة من أمرها لتصفية حساباتها مع سکان أشرف، ولذلك فقد بادرت الى إرسال قوات من الحرس الثوري يتقدمها أدلاء من(فصيل کردي)، ومع هذه القوات المئات من الحافلات التي کانوا ينتظرون أن يقلها سکان أشرف وهم أسرى لإعادتهم الى طهران، لکن، سکان أشرف الذين کانوا على إطلاع بنوايا طهران، فقد خرجوا للقاء عدوهم اللدود ولم يبقوا بين جدران معسکرهم لإنتظار قدرهم، وهنا من المفيد جدا أن نشير الى أن زعيم منظمة مجاهدي خلق، مسعود رجوي و أثناء أيام الانتفاضة ضد نظام البعث و ماتداعت عنها وتحديدا في بداية شهر مارس آذار 1991، بعث برسالة الى کل من الزعيمين الکورديين مسعود البارزاني و جلال الطالباني عن طريق (جليل کاداني)، الذي کان يقود يومئذ تيارا منشقا عن الحزب الديمقراطي الکوردستاني الايراني تحت اسم (القيادة الثورية)، وقد أوضح رجوي في تلك الرسالة المهمة لکلا الزعيمين (اهداف نظام الملالي ضد المقاومة الايرانية.) مؤکدا في الرسالتين من أن المقاومة الايرانية(لاتستهدف بأي شکل من الاشکال المواجهة مع الکورد إلا عندما تتم مهاجمتهم.). وقد قام کاداني فعلا بإيصال تلك الرسالة الى الزعيمين، وقد رد في حينها مسعود البارزاني على تلك الرسالة بصورة إيجابية و رحب بموقف مسعود رجوي، فيما لم تستلم المنظمة أية إجابة من جانب السکرتير العام للاتحاد الوطني الکوردستاني.&

بعدئذ، خاضت قوات الحرس الثوري التي دخلت الاراضي العراقية مستغلة الظروف و الاوضاع و الاستثنائية، معرکة ضارية ضد سکان أشرف و أسفرت في النتيجة عن إلحاق هزيمة شنيعة بها و بدلا من أن تأخذ سکان أشرف کأسرى لطهران، قامت بنقل جثث قتلاها في تلك الحافلات، وبعد ذلك بادر سکان أشرف، الى تسليم أسلحتهم الى القوات الامريکية في العراق مقابل تعهد بحمايتهم و ضمان سلامتهم و أمنهم وهي المرحلة الرابعة من العلاقة التي بين منظمة مجاهدي خلق و العراق و التي دامت 14 عاما، وازاء ذلك لم يبق أمام طهران سوى إستغلال نفوذها و دورها في العراق و السعي بطريقة و أخرى لتنفيذ مخططات تهدف للقضاء على السکان و إلحاق الاذى بهم، وقد جسدا الهجومان الدمويان اللذان شنتهما قوات عسکرية عراقية في 8 نيسان 2011، و الاول من أيلول 2013، على سکان المعسکر، نوايا طهران بأجلى صورها ضد السکان، وحتى إن إنتقال سکان أشرف الى مخيم ليبرتي کمخيم عبور مٶقت، على أثر مذکرة التفاهم التي تم إبرامها بين الامم المتحدة و الحکومة العراقية و الولايات المتحدة الامريکية و سکان أشرف، لم توفر الامن و الامان للسکان و تعرضوا الى أربعة هجمات صاروخية دامية، ناهيك عن حصار متعدد الجوانب و أساليب من الحرب النفسية، ومع إنه و طبقا للمذکرة کان يجب نقل السکان خلال فترة قصيرة نسبيا الى بلدان أخرى لکنها إستغرقت و بسبب من التدخلات الايرانية المستمرة أکثر من 4 أعوام، وعلى سبيل المثال لا الحصر، التحرکات السياسة التي مارستها الدبلوماسية الايرانية ضد بلدان کانت مرشحة لإستقبالهم نظير الاردن حيث قام وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في عام 2013، وخلال زيارة له للأردن بتحذير الحکومة الاردنية من قبول محتمل لأعضاء منظمة مجاهدي خلق، کما إن طهران وبعد موافقة حکومة رومانيا قبول مجموعة من مجاهدي خلق الى هذا البلد، تدخلت في الأمر، وعدلت الحكومة الرومانية عن قرارها، وأما في سويسرا، وعندما أحرزت عملية نقل عدد من الجرحى تقدما الى حد دفع التمويل لرقدهم في المستشقيات، فجاءت تدخلات النظام الإيراني لتفسدها، وفي ايطاليا، تبنت لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الايطالي قرارا بشأن قبول المجاهدين، الا أنه وبعد نقل مجموعة من المجاهدين الى ايطاليا توقفت عملية النقل لبقية الأفراد اعترضتها عراقيل وضعها النظام، هذا الى جانب الاتصالات و الضغوط التي مارستها طهران ضد الحکومة الالبانية.

في عام 2014، وعلى أثر الزيارات المتلاحقة لمسٶولين إيرانيين بارزين من ضمنهم وزير العدل محمد مصطفى بور و صادق لاريجاني مسٶول السلطة القضائية و مسٶولين آخرين طالبوا فيها رسميا بتسليم مجاهدي خلق لطهران، ناهيك عن ترتيب مذکرات إلقاء قبض مزيفة و مشبوهة تم تقديمها للإنتربول من أجل إلقاء القبض على أعضاء قياديين ضمن السکان، لکن کل هذه المساعي مضافا إليها المئات من المخططات الاخرى ذهبت أدراج الرياح و لم تفلح بتحقيق واحد من الاهداف الاستراتيجية لطهران، حتى أطل يوم 9 سبتمبر ليتم فيه نقل آخر وجبة من السکان من العراق الى ألبانيا، ليکون ذلك بمثابة إعلان عن فشل و هزيمة کافة المخططات الايرانية ضد السکان، خصوصا وإنه وبناءا على معلومات حصلت عليها المقاومة الايرانية، فقد تم إستدعاء کل من ايرج مسجدي، قائد قوة القدس في العراق، و اللواء مجتبى أبطحي، من قادة قوة القدس في العراق و دانائي فر، السفير الايراني في بغداد، الى طهران و تم مسائلتهم عن عدم تحقيق الاهداف الايرانية ضد هٶلاء السکان و إختتام عملية النقل بنجاح کامل، حيث برر مسجدي فشل مخططات طهران في القيام بهجمات ضد السکان بأنه کان بسبب التزويق الامني في بغداد حيث إضطروا الى تغيير ترکيب المجموعات المهاجمة و الاستفادة من الميليشيات العراقية وهٶلاء لم يکونوا يمتلکون التجربة الکافية لکي يٶدون المهام المناطة بهم على أفضل وجه، بالاضافة الى إن السکان کانوا قد إتخذوا إحتياطاتهم الامنية داخل المخيم وکانوا على إطلاع بهجماتنا الصاروخية قبل حدوثها.

ماهو سر الاهتمام الاستثنائي لطهران بمنظمة مجاهدي خلق و لماذا کل هذه الجهود المبذولة ضد سکان أشرف طوال 14 عاما، أي منذ الاحتلال الامريکي للعراق و حتى يوم 9 سبتمبر2016؟ الاجابة تتلخص في إن طهران وجدت و تجد في منظمة مجاهدي خلق أکبر تهديد و خطر محدق بها سياسيا و فکريا و أمنيا، خصوصا وإن إلقاء نظرة سريعة على ماقد حققته المنظمة من إنتصارات و مکاسب سياسية خلال الاعوام الماضية، أکدت بأنها"أي المنظمة"، لا تتصرف أبدا کحزب أو کطرف سياسي معارض ذو أهداف محددة وانما کانت و لاتزال تتصرف کبديل سياسي و فکري و ثقافي للجمهورية الاسلامية الايرانية وإن هذا هو مربط الفرس و أساس الصداع بالنسبة لطهران، ومن هنا، فإن خروج مجاهدي خلق من العراق وبعد کل الذي سردناه، يعتبر نصر للمنظمة و هزيمة سياسية بکل المقاييس لطهران.